٥٣ - قوله: (فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا) أي خروجًا من الإثم، ومعناه: أن معاذًا كان يحفظ علمًا يخاف فواته بموته، فخشي أن يكون ممن كتم العلم ويأثم لأجله، وكأن معاذًا فهم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذًا يتكلوا" أن النهي إنما هو عن التبشير العام خوفًا من أن يسمع ذلك من لا خبرة له ولا علم فيغتر ويتكل، أما الخاصة الذين لا يخشى عليهم الاغترار والاتكال، فيجوز إخبارهم به لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه بشر معاذًا فسلك معاذ هذا المسلك، وأخبر به الخاصة عند موته. ٥٤ - قوله: (ثم أسندوا عظم ذلك وكبره) عظم بضم العين وإسكان الظاء، أي معظمه، وكبر بضم الكاف وكسرها مع إسكان الباء، وبالكسر قرىء قوله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النور: ١١] والمعنى أنهم ذكروا شأن المنافقين وأفعالهم القبيحة، ونسبوا معظم ذلك إلى مالك بن دخشم - وهو بضم الدال والشين بينهما خاء معجمة ساكنة وفي الأخير ميم - ومالك بن دخشم هذا من الأنصار، اختلفوا في شهوده العقبة، ولكن لم يختلفوا أنه شهد بدرًا وما بعدها من المشاهد، ولا يصح عنه النفاق، بل شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بإيمانه باطنًا وبراءته من النفاق بقوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية البخاري: "ألا تراه! قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله". وكأن مالك بن دخشم هذا ظهر منه بعض الميل والاختلاط مع المنافقين، ولم يكن عن قصد سوء ولا نفاق، لكنهم ظنوه كذلك، فرموه بالنفاق، فبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ساحته.