٢٣٧ - قوله: (صدقوا وكذبوا) أي صدقوا في ثبوت الرمل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذبوا في جعله سنة (لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت، من الهزل) أي لأجل الهزال والضعف، وقد زعموا أن حمى يثرب وهنت المسلمين وضعفتهم (وكانوا يحسدونه) أي يحسدون النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل ما شرفه الله به من العز والكرامة والرفعة والعلو من بينهم، فكانت علة الرمل هي الرد على زعم المشركين وإراءتهم قوة المسلمين، لا أنه سنة. وقد زالت هذه العلة بزوال المشركين، فلا يبقى الرمل سنة. هذا رأي ابن عباس. وقد عارضه رمل النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع مع زوال علته، فعلم أنه سنة مقصودة مطلوبة. وقد قيل: إن بقاء حكم الرمل مع زوال علته لسبب آخر. وهو أن يتذكر به المسلمون نعمة الله عليهم حيث كثرهم وقواهم بعد القلة والضعف. وقد قال تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ} [الأنفال: ٢٦] قوله: في الجواب عن السعي راكبًا (صدقوا وكذبوا) يعني صدقوا في أنه طاف راكبًا، وكذبوا في أن الركوب سنة أو أفضل. وهذا مجمع عليه. أجمعوا على أن الركوب في السعي جائز، وليس بسنة (كثر عليه الناس) أي اجتمعوا بكثرة، لرؤيته (العواتق) جمع عاتق، وهي البكر البالغة أو المقاربة للبلوغ (لا يضرب الناس بين يديه) أي ما كانوا يدفعون ويبعدون بالضرب والزجر.