للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} إِلَى آخِرِهَا، قَالَتْ: فَطَافُوا».

(٠٠٠) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: «قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا أَرَى عَلَيَّ جُنَاحًا أَنْ لَا أَتَطَوَّفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ،

قَالَتْ: لِمَ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} الْآيَةَ، فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، لَكَانَ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا أُنْزِلَ هَذَا فِي أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا أَهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا قَدِمُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَجِّ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَلَعَمْرِي مَا أَتَمَّ اللهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ».

(٠٠٠) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ. قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: «قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ شَيْئًا، وَمَا أُبَالِي أَنْ لَا أَطَّوَّفَ بَيْنَهُمَا،


= في هذه الآية. وقد ثبت من فعله وقوله - صلى الله عليه وسلم - وجوب الطواف بينهما، وأن الذي لا يطوف فعليه جناح وحرج. ثم بينت السبب الذي جاء لأجله في الآية {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} وهو أنهم كانوا يطوفون بينهما لأجل صنم لهم في الجاهلية، فتحرجوا أن يطوفوا بينهما بعد الإسلام، فبين الله أن أصل الطواف بينهما إنما هو لكونهما من شعائر الله، وليس لأجل تعظيم صنم، فلا تتحرجوا من الطواف بينهما بعد الإسلام (لصنمين على شط البحر) أي ساحله (يقال لهما إساف ونائلة) هذا وهم، فالذي كان على شط البحر كان يسمى بمناة، وكان بالمشلل، قريبًا من قديد. أما إساف ونائلة فكانا بمكة. قيل: كان أحدهما على الصفا والآخر على المروة، فكان الذي يطوف بينهما يريد تعظيمها. وقيل: كانا عند زمزم. يقال إن إساف اسم رجل ونائلة اسم امرأة، وكانا من جرهم، زنيا في الكعبة، فمسخهما الله حجرين، فنصبا على الصفا والمروة ليعتبر بهما الناس ويتعظوا، فلما طال عليهم الأمد عبدوهما. والله أعلم. (ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة) أي تعظيمًا لإساف ونائلة. واستدل بقولها: "ما أتم الله حج امرىء ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة" على أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج والعمرة، فإن تركه بطل الحج والعمرة، وإليه ذهب الجمهور. وقيل: واجب يجبر بدم، وقيل: سنة ليس على تاركها شيء، واستدل الجمهور بأن الصفا والمروة من شعائر الله، وفعله - صلى الله عليه وسلم - بيان لأمر الله، ويجب الأخذ به لقوله: "خذوا عني مناسككم" استدلوا أيضًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي. رواه أحمد والشافعي وابن راهويه والحاكم في المستدرك. وبقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى: طف بالبيت وبين الصفا والمروة، إلى غير ذلك.
٢٦٠ - قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} جمع شعيرة وهي العلامة، أي من أعلام مناسكه ومتعبداته (إذا أهلوا أهلوا لمناة) أي إذا أهلوا بالحج لله أهلوا أيضًا لصنمهم مناة التي كانت بالمشلل (فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة) لأن الطواف بينهما كان لتعظيم إساف ونائلة، وكانوا يرون أن مناة فوق إساف ونائلة، فلا يحل لمن أهل لمناة أن يطوف لمن هو دونها من إساف ونائلة. وإنما يطوف بينهما من لم يهل لمناة، والحاصل أن سبب طواف الصفا والمروة كان هو تعظيم الصنم.
٢٦١ - قولها: (فكانت سنة) ليس المراد بها السنة المصطلح عليها عند الفقهاء، بل المراد بها الطريقة المشروعة، فلا ينافي كونها ركنا أو واجبة من الواجبات الشرعية (لمناة الطاغية) مناة اسم أحد أصنامهم الكبيرة، كانت بالمشلل من قديد، والطاغية صفة لها، لأن عبدتها كانوا طغوا بها عن طاعة الله، أي جاوزوا بها الحد في =

<<  <  ج: ص:  >  >>