للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا أَعْمَى أَبْصَارَهُمْ يُفْتُونَ بِالْمُتْعَةِ، يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ، فَنَادَاهُ فَقَالَ: إِنَّكَ لَجِلْفٌ جَافٍ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتِ الْمُتْعَةُ تُفْعَلُ عَلَى عَهْدِ إِمَامِ الْمُتَّقِينَ يُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَجَرِّبْ بِنَفْسِكَ، فَوَاللهِ لَئِنْ فَعَلْتَهَا لَأَرْجُمَنَّكَ بِأَحْجَارِكَ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ بْنِ

سَيْفِ اللهِ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَجُلٍ جَاءَهُ رَجُلٌ، فَاسْتَفْتَاهُ فِي الْمُتْعَةِ، فَأَمَرَهُ بِهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ: مَهْلًا، قَالَ: مَا هِيَ؟ وَاللهِ لَقَدْ فُعِلَتْ فِي عَهْدِ إِمَامِ الْمُتَّقِينَ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَمْرَةَ: إِنَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِمَنِ اضْطُرَّ إِلَيْهَا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، ثُمَّ أَحْكَمَ اللهُ الدِّينَ، وَنَهَى عَنْهَا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي رَبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: قَدْ كُنْتُ اسْتَمْتَعْتُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ بِبُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، ثُمَّ نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُتْعَةِ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَسَمِعْتُ رَبِيعَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَنَا جَالِسٌ.

(٠٠٠) وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَقَالَ: أَلَا إِنَّهَا حَرَامٌ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَانَ أَعْطَى شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ».

(١٤٠٧) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ».


= وقال: (إنك لجلف جاف) الجلف - بكسر الجيم - والجافي كلاهما بمعنى واحد، جمع بينهما للتأكيد، وهو الغليظ الطبع، القليل الفهم والعلم والأدب (لأرجمنك بأحجارك) أي بالأحجار الي تستحق أن ترجم بها، وهي أحجار رجم الزاني، وإنما توعده بذلك. لأنَّ هذا هو الذي يستحقه من فعل ذلك، وكان قد أبلغ ابن عباس بأن النَّبِيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حرم المتعة أخيرًا (سيف الله) هو خالد بن الوليد المخزومي، سماه بذلك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم مؤتة حين انكسرت في يده تسعة أسياف (بينا هو جال عند رجل) أي عند ابن عباس (لقد فعلت في عهد إمام المتقين) ولكن هذه ليست بحجة كافية، إذ قد نهى عنها - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخيرًا.
٢٩ - قوله: (نهى عن متعة النساء يوم خيبر) أخذ جماعة من أهل العلم بظاهر ما جاء في هذا الحديث فقالوا: إن تحريم المتعة وإباحتها وقعا مرتين. فكانت مباحة قبل خيبر، ثم حرمت فيها، ثم أبيحت عام الفتح، وهو عام أوطاس، ثم حرمت تحريمًا مؤبدًا. قالوا: ولا مانع من تكرير الإباحة. وقد نقل عن الشافعي أن المتعة نسخت مرتين. وقالت طائفة أخرى من أهل العلم: إن لفظ "يوم خيبر" في هذا الحديث ليس في موضعه، بل وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري، والصحيح أن "يوم خيبر" ظرف للنهي عن أكل لحوم الحمر الإنسية، وأما المتعة فكان النهي عنها في غير يوم خيبر، وقد جنح هؤلاء إلى أن تحريم المتعة لَمْ يقع إلَّا مرّة واحدة، يوم فتح مكة. وأن الصحابة لَمْ يكونوا يستمتعون باليهوديات، وأن المتعة بخيبر شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر (وعن أكل لحوم الحمر الإنسية) الإنسية بكسر فسكون، وبفتحتين، هي الأهلية، والحكمة في جمع علي بين النهي عن الحمر والمتعة أن ابن عباس كان يرخص في الأمرين كليهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>