للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٠٠٠) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ. (ح)، وَحَدَّثَنَا ابْنُ رَافِعٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَتَعْلَمُ أَنَّمَا كَانَتِ الثَّلَاثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ وَثَلَاثًا مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ».


= موضوعة. وهناك مذهبان آخران: أحدهما أن المطلقة إن كانت مدخولة تقع الثلاث، وإن لم تكن مدخولة تقع واحدة، والآخر أنها لا تقع أصلًا، وهو قول الروافض. قوله: (إن الناس قد استعجلوا في أمر) وهو التطليق، واستعجالهم فيه أنهم جعلوا يطلقون الثلاث دفعة واحدة، وفي مجلس واحد (قد كانت لهم فيه أناة) أي مهلة وسعة من الله، لأن الذي شرعه الله هو أن يطلق الرجل المرأة، إذا بدا له ذلك، طلاقا واحدًا، ثم يمهل حتى تنقضي العدة أو يراجعها قبل انقضاء العدة، ولهما أن يجتمعا بالنكاح الجديد إذا انقضت العدة، فإن اجتمعا بالرجعة أو النكاح ثم بدا للزوج في وقت من الأوقات أن يطلقها فليطلقها واحدة، وهي الثانية، ثم له عين ما كان له في المرة الأولى من الرجعة في العدة أو النكاح بعد العدة، فإن اجتمعا بالرجعة أو النكاح ثم بدا له في وقت من الأوقات أن يطلقها الثالثة فطلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره نكاح رغبة وقرار، فإن طلقها هذا الزوج الثاني أو مات عنها وقد دخل بها يحل للأول أن ينكحها بعد انقضاء عدتها من الثاني، فهذه هي السعة والأناة التي جعلها الله في الطلاق، ولم يشرع لهم إلا هذا، ولكنهم خالفوا شرع الله، واستعجلوا بجمع هذه الثلاث في وقت واحد، وأكثروا من ذلك (فلو أمضيناه عليهم) أي لو أجرينا وأنفذنا عليهم وألزمناهم ما استعجلوه من الثلاث لكان ذلك رادعًا وناهيًا لهم عن تتابع الطلقات، وهذا يدل على أنه كان مجرد رأي لعمر طرحه على الصحابة، وشاورهم فيه لحل هذه المشكلة، ولم يكن له فيه مستند إلى نص من الكتاب والسنة، والذي أرشده إلى هذا الرأي هو ما أبداه من أن ما شرعه الله من الطلاق في أوقات متفرقة وعلى مهل إنما هو أناة وسعة على الناس. يعني فهو في معنى الرخصة، ومعلوم أن المرء إذا لم يتخذ بالرخصة يلزمه ما التزم به على نفسه، فمثلًا إذا التزم المسافر بالصوم ولم يفطر يلزمه الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فكذلك المطلق إذا لم يتخذ بما شرعه الله ووسعه عليه، بل أوقع الثلاث في وقت واحد يلزمه الثلاث. وهو رأي يحتمل النقاش، ومما يرد عليه أن الأصل في شرع الله أن يكون عزيمة، حتى يرد الدليل على كونه رخصة، ولا دليل هنا. فلا يؤخذ بما ابتنى عليه. وقد تأول الجمهور حديث ابن عباس هذا، وحديثه في قصة ركانة، بتأويلات لا تخرج عن دائرة التعسف، وأنا أشير إلى الرد عليها بإيجاز. فأقول إن ما فعله عمر كان رأيًا له واجتهادًا منه، عقوبة للناس وردعًا لهم عن مخالفة أمر الله، لا تشريعًا منه - وليس لأحد غير الله ورسوله أن يشرع - ومعلوم أن رأي المجتهد صوابًا كان أو خطأ لا يصلح أن يكون ناسخًا لما تقرر في الشرع. فالقول بالنسخ في قضية الطلاق هذه ليس بصواب. ثم الحديث نص على أن الثلاث التي كانت تجعل واحدة هي التي جعلها عمر ثلاثًا، فالتي نفذها عمر هي التي لم تكن نافذة فيما قبل، والتي لم تكن نافذة فيما قبل هي التي نفذها عمر، فالقول بأن الثلاث التي نفذها عمر غير ما كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - تعسف وإبطال لهذا الحديث. قيل: كانت الثلاث تجعل واحدة في حق الغير المدخول بها. قلت: لو كان كذلك لما احتاج عمر إلى إدارة الرأي والاستشارة في حق المدخول بها، ولما كان رأيه تغييرًا للسابق: بل لكان السابق في واد ورأي عمر في واد آخر. فما معنى قصر السابق إلى سنتين من خلافة عمر. وقيل: فتوى ابن عباس بإيقاع الثلاث - وكان يفتي بها أحيانا - يعارض هذا الحديث. قلت: تقرر أن العبرة برواية الراوي لا برأيه. ومما يتأسف له كل حليم عاقل أن الذين اتخذوا برأي عمر هذا لم ينتهوا إلى ما أراد به عمر من الخير، وهو الكف عن إيقاع الثلاث دفعة، بل جعلوه ذريعة إلى ما في صدورهم من الدغل والفساد، فقد فتحوا باب التحليل على مصراعيه، وأخذت التيوس المستعارة تهتك أستار المطلقات ليلة أو ليلتين، ثم يعيدونهن إلى أزواجهن وقد خرجن عما كن عليه من العفة والإحصان، وقد غلا بعض علمائهم في هذا السبيل فأنشأ دارًا للتحليل، ونصب نفسه تيسًا مستعارًا لهذا العمل الخبيث، وهتك ما استطاع من أعراض المطلقات، ولا يستحيي أن يقول إنه يثاب عليه عند الله، فإنا لله وانا إليه راجعون.
١٦ - قوله: (عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس ... إلخ) معناه أن طاوسًا حضر سؤال أبي الصهباء لابن=

<<  <  ج: ص:  >  >>