للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، قَالَتْ: فَتَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ، فَنَزَلَ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ}، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوبَا}

- لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ - {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} - لِقَوْلِهِ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا». .

(٠٠٠) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي: أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ شَرْبَةً. فَقُلْتُ: أَمَا وَاللهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، وَقُلْتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ سَيَدْنُو


= لأن العسل قد يكون من جرس مغافير، فيوجد فيه شيء من رائحته الكريهة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره أن توجد منه رائحة كريهة فيترك شرب العسل {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] وهو العسل، سمي امتناعه عن شربه بالتحريم، لاْن أعمال الأنبياء شرع، وهم قدوة وأسوة {إِنْ تَتُوبَا} [التحريم: ٤] أي إلى الله فقد صغت قلوبكما، لأن الذي فعلتاه مهما كان صغيرًا فإنه يخالف تقوى الله والتأدب مع نبيه (لعائشة وحفصة) أي إن الخطاب لهما (لقوله: بل شربت عسلًا) يريد أن هذا هو السر الذي أراده الله في قوله {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ} [التحريم: ٣]. فقد قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك سرًّا، وقال: "ولن أعود له، وقد حلفت" ثم أكد هذا السر بقوله: "لا تخبري بذلك أحدًا" ولكنها أخبرت بذلك صاحبتها. فأخبر الله نبيه بذلك، وأنزل العتاب، فعاتبه على تحريم ما لم يحرم، وهو العسل، وعاتبهما على ما فعلتاه من التواطؤ وإفشاء السر، وأوعدهما أشد الوعيد على إعادة مثل هذا التواطؤ والتظاهر. وهذا يدل على ما كانت عليه الأزواج من الطهارة والنقاء، إذ لم يعاتبهن الله مرة أخرى، ولا على شيء أشد من هذا، ومعناه أنهن لم يصدر منهن ما يوجب العتاب إلا هذا القدر القليل، وهذه المرة الواحدة.
٢١ - قولها: (فدخل على حفصة فاحتبس عندها ... إلخ) تقدم في الحديث السابق أن التي احتبس عندها النبي - صلى الله عليه وسلم - لشرب العسل هي زينب، وأن المتواطئتين عائشة وحفصة، وفي هذا الحديث أن التي شرب عندها العسل حفصة، وأن اللواتي تظاهرن عليه عائشة وسودة وصفية، وحيث إن القصة واحدة فلابد من الترجيح، والراجح الحديث الأول، لأنه يطابق قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} وقوله: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} لأنه يفيد أن المتظاهرتين ثنتان لا ثلاث. ولأنه يطابق حديث عمر أنهما عائشة وحفصة، قال النسائي: حديث حجاج - وهو الحديث السابق - صحيح جيد غاية، وقال الأصيلي حديث حجاج أصح. اهـ أما هذا الحديث فقد انقلبت فيه الأسماء على الراوي (عكة من عسل) بضم العين وتشديد الكاف: إناء من الجلد مثل القربة الصغيرة يوضع فيه السمن والشحم وأمثالهما. (لنحتالن له) أي لنأخذن بحيلة لمنعه عن شرب العسل، والحيلة: الحذق في تدبير الأمور، وقلما يخلو عن شيء من المكر والخداع (جرست نحله العرفط) بالجيم والراء والسين المهملة، أي أكلت وامتصت، والعرفط بضم فسكون فضم، تقدم أنه شجر صمغه يسمى بمغافير، أي إن هذا العسل جاء من هذه الشجرة فانتقلت إليه رائحتها الكريهة (أباديه) وفي نسخة: (أبادئه) أي أبدأه بذلك القول وهو على الباب، ولما يدخل البيت (فرقا منك) أي خوفًا منك كيلا تلوميني وتؤنبيني. ومعنى "كدت أبادئه" أنها قربت من ذلك ولكنها لم تفعله، بل تكلمت بعد دخوله - صلى الله عليه وسلم - وقربه منها (لقد حرمناه) بتخفيف الراء، أي منعناه من العسل وجعلناه محرومًا.
( ... ) قوله: (قال أبو إسحق إبراهيم) هو تلميذ الإمام مسلم. وقد أدخل هذا الإسناد هنا لبيان أنه ساوى الإمام مسلم في هذا الإسناد، لأن الإمام مسلم يرويه عن أبي أسامة بواسطة واحدة، وتلميذه أبو إسحق إبراهيم أيضًا يرويه عن أبي أسامة بواسطة واحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>