= حالف بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس من الأنصار في الجاهلية، وسكن المدينة، فدخلوا في الأنصار (جاء إلى عاصم بن عدي) بن الجد بن عجلان، وهو ابن عم والد عويمر، وكان سيد بني عجلان (أيقتله فتقتلونه) قصاصًا. لأن حكم القصاص كان قد تقرر قبل ذلك في قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] (أم كيف يفعل؟ ) فإنه لا صبر للزوج على مثل هذا (فكره رسول الله - صلي الله عليه وسلم - المسائل وعابها) لأنه لم يسأل عن حكم حادث سبق في علمه حدوثه، مع ما في مثل هذا السؤال من إشاعة فاحشة، وهتك ستر مسلم ومسلمة، والشناعة عليهما. وقد كانت المسائل فيما لم ينزل فيه حكم زمن نزول الوحي ممنوعة، لئلا ينزل الوحي بالتحريم أو التشديد، أما المسائل المحتاج إليها إذا وقعت فقد كان الواجب السؤال عنها لمعرفة حكمها (حتى كبر على عاصم) كبر بفتح الكاف وضم الباء، أي عظم وزنًا ومعنى. وقوله - صلى الله عليه وسلم - في جواب عويمر: (قد نزل فيك وفي صاحبتك) يدل على أن آية اللعان كانت قد نزلت بعد رجوع عاصم وقبل مجيء عويمر، ولكن سيأتي من حديث ابن عمر [رقم ٤] أن عويمرًا حينما سأل "فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به" ويظهر من هذا أن في سياق هذا الحديث اختصارًا. وأنه لم يذكر امرأته إلا بعد أن انصرف ثم عاد، لكن سؤاله الأول في صورة فرض المسألة لم يكن عن فراغ، بل كان بعدما ظهرت له مخايل زناها، بل جاء في مرسل مقاتل بن حيان عند أبي حاتم: فقال الزوج لعاصم: يا ابن عم أقسم بالله لقد رأيت شريك بن سحماء على بطنها، وإنها لحبلى، وما قربتها منذ أربعة أشهر (فتلاعنا) في طريق ابن جريج [رقم ٣] "في المسجد" وعند أحمد "بعد العصر" واستدل بذلك على أن اللعان يكون بحضرة الحكام وفي مجمع من الناس، وهو أحد أنواع التغليظ، ثانيها الزمان وثالثها المكان. أما صفة هذا اللعان فهي حسب ما جاء في سورة النور، يشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين - أي في رمي المرأة بالزنا - والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم تشهد المرأة أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم يفرق بينهما، ولا يجتمعان أبدًا (فطلقها ثلاثًا) استدل به الشافعية على جواز الطلاق الثلاث مجموعة، كما استدلوا به هم والآخرون على وقوعها كلها، وكلا الاستدلالين في غير محلهما، لأنه إنما طلقها ثلاثًا لأجل أنه لم يكن يعلم أن اللعان يوجب فرقة الأبد، فأراد تحريمها بالطلاق، فصار الطلاق لغوًا، لأنه لم يقع في موضعه، أما إذا قلنا إن الفرقة تقع بمجرد اللعان فظاهر، وأما إذا قلنا إن الفرقة تقع بتفريق الحاكم فمعلوم أن هذا النكاح لم يبق سبيل إلى بقائه ودوامه، بل هو واجب الازالة على الفور، ومؤبد التحريم: فلا محل لإيقاع الطلاق، ومن الدليل على ذلك أن الرجل لو طلق بعد اللعان واحدة أو ثنتين فإنه لا يملك الرجعة، ولا تكون على المرأة العدة، ولا لها النفقة والسكنى بالاتفاق، ومعناه أنه ليس بطلاف حتى يترتب عليه ما يترتب على الطلاق. فدل ذلك على أن المرأة لم تبق محلًا للطلاق بعد اللعان إطلاقًا، وأن تطليقها مثل تطليق الأجنبية، وأما عدم غضبه - صلى الله عليه وسلم - على طلاقه هذا فلأجل أنه صدر عن غيرة، وهي مطلوبة في مثل هذا المقام. ولذلك اقتصر - صلى الله عليه وسلم - على مجرد إخباره بأن طلاقه هذا لغو، بقوله: "لا سبيل لك عليها" أي لا ملك لك عليها، =