وحديث " هَلَكَ المتنطعونَ " رواه مسلم (٢٦٧٠)، وأبو داود (٤٦٠٨)، وأحمد ١/ ٣٨٦ من حديث عبد الله بن مسعود، وهو من أفرادِ مسلم، ولم يُخرجه البخاري، فقولُ المصنفِ -رحمه الله- متفقٌ عليه، فيه ما فيه. قال ابنُ الأثير: " المتنطعون " هم المتعمقون المغالون في الكلام المتكلمون بأقصى حلوقِهم، مأخوذٌ من النَّطع، وهو الغار الأعلى من الفم، ثم استُعمل في كُلِّ تعمق قولاً وفعلاً. وقال النوويُّ: فيه كراهةُ التقعرِ في الكلام بالتشدق، وتكلف الفصاحة، واستعمال وحشي اللغة، ودقائق الإعراب في مخاطبة العوامِّ ونحوهم. وقال غيره: المرادُ بالحديثِ: الغالون في خوضِهم فيما لا يعنيهم، وقيلَ: المتعنتون في السؤال عن عويصِ المسائل التي ينذُرُ وقوعُها. وقيل: الغالون في عبادتهم بحيثُ تخرجُ عن قوانين الشريعة، ويسترسلُ مع الشيطانِ في الوسوسة. وقال الحافظُ في " الفتح " ١٣/ ٢٦٧ نقلاً عن بعضِ الأئمة: إن البحثَ عما لا يوجدُ فيه نصُّ على قسمين: أحدهما: أن يبحثَ عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها، فهذا مطلوبٌ، لا مكروه، بل رُبَّما كانَ فَرْضاً على من تَعَيَّنَ عليه منَ المجتهدين. ثانيهما: أن يدققَ النَّظرُ في وجوه الفروق، فيفرق بين متماثيلها بفرقٍ ليس له أثرٌ في الشرع مع وجودِ وصف الجمع، أو بالعكس بأن يجمعَ بين متفرقين بوصف طردي مثلاً، فهذا الذي ذمَّه السلفُ، وعليه ينطبق حديثُ ابنِ مسعود رفعه: " هَلَكَ المُتنطِّعون " فرأوا أن فيه تضييعَ الزمان بما لا طائلَ تحتَه. ومثله الإكثار من التفريع على مسألة لا أصلَ لها في الكتابِ، ولا السنةِ، ولا الإجماعِ =