للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما: أنَّ بعضَهم يقول: إنَّ (١) المعاصي الدَّالَّة على الخِسَّة قَبْلَ النُّبُوة يمتنع وقوعُها مِنَ الأنبياء عليهم السَّلامُ بدليل السَّمع فقط، ولا يمتنِعُ بدليلِ العقل، ونحن نقولُ -والجمهور منهم-: إنَّها (٢) تمتنع عقلاً وسمعاً، فهم موافقون لنا على إمتناعها، ولكن بعضهم استدلُّوا على ذلِكَ بدليلٍ واحدٍ، ونحن وجمهورُهُم استدللنا عليه بدليلين، فهذا لا يقتضي الاختلافَ في تجويزِ الكبائرِ على الإِطلاقِ البتَّة، فأمَّا ما لم يكن مِن صغائِرِ الخِسَّة المنفِّرات، فلا ينبغي أن يكونَ فيه (٣) اختلافٌ، لأنَّ وصفه بأنّه كبيرٌ قَبْلَ الشرع خطأ، بل وصفُه بأنّه حرام، ألا ترى أنَّ الخمرَ كان مباحاً؟ فإن ثبت أنَّه حرام، وأنَّهم متعبِّدون بشرع مَنْ قبلنا، فبأدلَّة ظنِّيَّة، فإن قدرنا ثبوتَ ذلكَ بأدلَّةٍ قاطعةٍ، فثبوتُ التَّحريم لا يدلُّ على أنَّ المُحَرّمَ كبيرٌ، فأمَّا الكفرُ وجميعُ ما عَدَّدهُ الذهبي، والقاضي عياض وغيرهما فيما تقدم من المعاصي الدّالة على الخِسَّةِ، وسائر الرذائل، فقد وافقونا على تنزيههم عنها، وأقصى ما في الباب أن يكونوا خالفونا في تجويزِ بعض الكبائرِ على الأنبياء قبل النُّبُوَّة، فهذا لا يُجيزُ الإِطلاقَ الَّذِي رواه السَّيِّدُ عنهم لوجهين.

أَحَدُهُما: أن الخلافَ في بعض الكبائرِ ليس خلافاً في جميعها، ومَنْ لم يفَرِّقْ بينَ البعضِ والكُلِّ، فليس مِنَ العقلاء، فإنَّ العلمَ (٤) بالفرق بينهما ضروريٌّ، ومن المعلومِ بالضَّرورة عنهم أنَّهم ما خالفُوا (٥) في جميعِ الكبائر، فإنَّ الشَّركَ مِنَ الكبَائِرِ واللواطَ من الكبائر، ونحو ذلك.


(١) ساقطة من (ب).
(٢) في (ب): إنما.
(٣) ساقطة من (ب).
(٤) في (ش): فالعلم.
(٥) في (ب): خالفونا.

<<  <  ج: ص:  >  >>