للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: التصديقُ لا يكونُ إلا بَعْدَ التَّفَهُّمِ، وهذه الألفاظُ إذا لم يَفْهَمِ العبْدُ معانِيَهَا، كيف يعتقِدُ صِدْقَ قائِلِهَا فيها؟

والجوابُ: أنَّ التصديقَ بالأمور الجُمْلِيَّةِ ليس بمحالٍ، كالتصديقِ بالله تعالى، وملائكَتِهِ، وكتبه، ورسلِهِ مِن غيرِ تفصيل، ويُمْكِن أن يُفْهَم مِنْ هذِهِ الألفاظِ أُمورٌ جُمْلِيَّةٌ غَيْرُ مفصَّلةٍ، كما لو قال قائل: في البيت حيوانٌ، أمكنَ أن يصدق دون (١) أن يعرفَ أنَّه إنسانٌ، أو فرس، أو غيره، بل لو قال: في البيت شيءٌ، أمكن تصديقُهُ، وإن لم يعرف ما ذلِكَ الشيءُ، فكذلِكَ الاستواءُ على العرشِ، فُهِمَ على الجملةِ، وأمكن التصديقُ به قَبْلَ أن يُعرف (٢) معنى الاستواء، يعني على التفصيل.

فإن قيل: فقد قال اللهُ تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} [النحل: ٤٣].

فالجواب: أنَّه أمر (٣) بسؤالهم فيما يُطِيقُونَهَ، وأمّا ما لا يطيقونه ولا يعلمونه، فقد قال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥]، و {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: ١٠١].

قلت: وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦]، وقال تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٧٤].

قال الشيخ: ولكن تقديسَه سبحانه ينبغي أن يكون مُفَصَّلاً، وهو نفي


(١) في (ش): من دون.
(٢) من قوله: " تصديقه " إلى هنا ساقط من (ش).
(٣) في (ش): أمرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>