للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا البابِ إلاَّ على ما ورد في القرآن، أو تواترَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأمَّا أخبار (١) الآحاد، فلا يُشْتَغَلُ بتأويلها عند من يميلُ إلى التَّأويل، ولا روايتها عند من يعتمد على الرواية بالمظنون؛ لأنَّ ذلك حُكْم واعتمادٌ عليه، وما ذكره ليس ببعيد، لكنه مخالفٌ لظاهر ما دَرَجَ عليه السَّلَفُ رضي الله عنهم، فإنَّهم قَبِلُوا هذه الأخبار مِنَ العدول، ورَوَوْهَا وصحَّحُوها.

فالجواب (٢): من وجهين:

أحدهما: أن التَّابعين قد عَرَفُوا مِنْ أدلَّة الشَّرع أنَّه لا يجوز اتِّهام العَدْلِ بالكذب، لا سيَّما في صفات الله تعالى.

قلت: وقد يمتنع حَمْلُ الرَّاوي على السهْوِ في ذلك بقرائنَ ضروريَّةٍ لا يُمْكِنُ التعبير عنها، لا سِيَّما عند تكرُّرِ ذلك منه، أو سؤاله عنه، وعدم تردُّدِه عندَ موجباتِ التَّردُّدِ مِنْ سماعه للخوض في ذلك، والاختلافِ الشديد بسبب روايته.

قال الشيخ: فإذا روى الصدِّيق رضي الله عنه خبراً، وقال: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كذا، فَرَدُّ ذلك تكذيبٌ له، ونسبة (٣) له إلى الوضع أو السَّهو، فقَبِلُوه، وقالوا: قال أبو بكر: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذا التَّابعون. فالآن إذا ثَبَتَ عنهم بأدلَّة الشَّرع أنّه لا سبيلَ إلى اتِّهام العدلِ التَّقِيِّ مِنَ الصَّحابة، فَمنْ أينَ يَجِبُ أن لا تُتهم ظنونُ الآحادِ، وأن يُنزل الظَّنُّ منزلةَ نقلِ العدل عن العدل، مع أنَّ بعضَ الظن إثْمٌ؟ فإذا قال لهم الرسول: ما أخْبَرَكُمُ العدلُ، فصدِّقوه، وانقُلُوه، واظهِرُوه، ولم يقل:


(١) في (ش): الأخبار.
(٢) في (ش): والجواب.
(٣) في (ش): ونسبته.

<<  <  ج: ص:  >  >>