للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: إنَّما أمسك الصحابةُ رضي الله عنهم عن ذلك لِعدم الحاجة، فإِن البدع إِنَّما نَبَغَتْ من بعدهم، فَعظُمَتْ حاجةُ المتأخِّرين إليه، ومعرفةُ الكلام راجعة إلى معرفةِ معالجة المرضى بالبدع، فلمَّا قلَّت في زمانهم (١) أمراضُ البدع، قلَّت عنايتُهم بجمع (٢) طرق المعالجة.

فالجوابُ من وجهين:

أحَدُهُما: أنَّهم في مسائل الفرائِض ما اقتصروا على شأن حكم الوقائع، بل وضعوا المسائلَ، وفرضُوا فيها ما تنقضي الدُّهُورُ ولا يَقَعُ مِثْلُهَا، لأنَّ ذلك ممَّا أمكن وقوعُه، فصنَّفوا حكمه ورتبوه (٣) قبلَ وقوعه، إذ ظنَّوا أنَّه لا ضررَ في الخوض فيه، وفي بيانِ حكم الواقعة قبل وقوعها، وكانت (٤) العنايةُ بإزالةِ البدعِ ونزعها من النفوس أهمَّ (٥)، إلاَّ أنَّهم ثم يتخِذُوا ذلك صناعةً، لعلمهم (٦) أنَّ الاستضرارَ بالخوض فيه أكثرُ مِن الانتفاع، ولولا (٧) أنَّهم كانوا قد حذَّروا مِنْ ذلك، لما فَهِمُوا تحريمَ الخوضِ فيه، وقصَةُ عمر مع صَبيغ بن عَسَلِ معروفة (٨)، وقصة الخوارج، وذكر الفرق عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وتحذيره منها مشهورٌ غيرُ منكرٍ.

الجوابُ الثاني: أنَّهم كانوا محتاجين إلى محاجَّةِ اليهودِ والنصارى في إثبات النبوَّة نُبُوَّة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإلى إثبات الإلهية مع عَبَدَةِ الأصنام،


(١) في (ش): أزمانهم.
(٢) في (ش): بجميع.
(٣) في (ش): ورتبوا.
(٤) في (ش): فكانت.
(٥) ساقطة من (ش).
(٦) في (ب): لعملهم، وهو خطأ.
(٧) في (ش): ولو.
(٨) تقدم تخريجها في هذا الجزء ص ٣٤٦ ت (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>