للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبدعوه من نقضٍ وكسر، وفساد وضع، وتركيب، وفنون مجادلة، وإلزام، كلُّ ذلك مُبدعٌ لم يُرْوَ عن الصحابة شيءٌ من ذلك، فدلّ أنَّ البدعة المذمومة ما رفع سُنَّةً مأثورة، ولا نُسلِّمُ أن هذا رافعٌ لسنَّة مأثورةٍ، ولكنَّه مُحدثٌ ما خاض فيه الأوَّلون، إمَّا لاشتغالهم بما هو أهمُّ منه، وإما لسلامة القلوب في العصر الأول عن الشكوك والتَّردُّدات، فاستغنوا عن الخوض فيه، وخاض فيه من بعدهم، لحدوث الأهواء، والبدع، ومسيس الحاجة إلى إبطالها، وإفحام منتحليها (١).

والجواب: أنَّ ما ذكره أنَّ البدعة المذمومة كل مُحدَثٍ رفع سُنَّة قديمة هو الحق، وهذه بدعة رفعت سنة قديمة، إذ كان سنة الصحابة رضي الله عنهم المنع من الخوض فيه، وزجرَ من سأل عنه، والمبالغة في منعه، ففتحُ باب السؤال عن هذه المسائل، والخوضُ في غمرة هذه المشكلات على خلاف ما تواتر عنهم، بدعةٌ، وقد صحَّ ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم بتواتر النَّقل عن التابعين من نقلة الآثار، وسير السلف صحة لا يتطرق إليها ريب، ولا يتخالجها (٢) شكٌّ، كما تواتر خوضهم في مسائل الفرائض، ومشاوراتهم (٣) في أحكام الوقائع الفقهية العملية، وحصل العلم به أيضاً بأخبار آحاد لا يتطرق الشك إلى مجموعها، وإن تطرق الاحتمال إلى آحادها كما ذكرنا في ذم البدعة، وكما نقل عن عمر رضي الله عنه إلى قول الشيخ: فإذن، قد عُرِفَ على القطع أنَّ هذه بدعة


= وقال الحافظ في " الفتح " ٣/ ٢٥٣: المحدثات -بفتح الدال- جمع محدثة، والمراد بها ما أحدث، وليس له أصل في الشرع، ويسمى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع، فليس ببدعة.
(١) في (ش): منتحلها.
(٢) في (ش): يتخالها.
(٣) في (ب): ومشاورتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>