للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فهذا من السمع، ومن النظر: أنَّ (١) الدليل كالطريق، والوسيلة إلى الاعتقاد الصحيح، فمن حصل الاعتقاد الصحيح، لم يجب التشاغل بالطريق، مثل سائر الوسائل، خصوصاً إذا خيف من الاشتغال بالوسيلة فوات الأمر المتوسل إليه بالقرائن والتجارب (٢)، وربما انتهى الأمر إلى تحريم الخوض في ذلك، حيت يغلب على الظن أن فيه مضرة مظنونة للاتفاق على أن دفع المضرة المظنونة واجبٌ عقلاً، وسيأتي لهذا مزيد بيان وتحقيق إن شاء الله تعالى.

ثم المتكلمون هنا (٣) مختلفون، فمنهم من يخلع رِبْقَةَ المراعاة لأحوال السلف، ويصرح بتكفير العامة، فيقعُ في الحديث المتفق على صحته: " إذا قال المُسلم لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدُهُمَا " (٤).

وهؤلاء قسمان: منهم من يعتقد هذا ولا يُظهرُهُ، ومنهم من يظهره، والطائفة الأخرى: منهم الذين يراعون ظاهر أحوال السلف، فيقعون في المناقضة، لأنهم يجيبون بأن الأدلة جليَّةٌ، تعرف بالفطرة مع أدنى تأمل، وجوابهم هذا يستلزم إمَّا الاستغناء عن علم الكلام -وهو المقصودُ- وإما دعوى أن أدلة علم الكلام كذلك، وهو باطل بالضرورة، والتجربة تدل على ذلك، فإنا نُحضر أذكى العامة، بل أذكى علماء الفنون غير الكلام، فلا يستطيعُ فهم أدلتهم بالفطرة في المدة اليسيرة، وقد ذكرت فيما مضى ما ذكره الرازي في " المحصول " في دفع هذا بقوله: إنه يستحيل أن يكون العلم بالبرهان جملياً، قال: لأن البرهان إذا تركب من عشر مقدمات،


(١) في (أ): إلى أن.
(٢) في (ش): والتجارب فيها.
(٣) في (أ): ها هنا.
(٤) تقدم تخريجه ٢/ ٤٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>