للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقول، ما مُنِعْنَا الخوض في لطيف الكلام لأجل تقوية أدلة الإسلام، والنظر في المخلوقات الوارد في الكتاب والسنة لم (١) يُقَيَّدْ بوجهٍ مخصوصٍ، وهو طريقة المتكلمين، بل فُهِمَ منه تعلُّقه بما يُوقِفُ النفس على الحقِّ اليقين، ويُخرجها من ظلمات دعوى المبطين إلى أنوار معارف المُحقِّين، وربما اختلفت الأدوية على حسب اختلاف الأدواء، وكثيرٌ من الأذكياء الذين يقعون في الحيرة والوسوسة لا ينتفعون من النظر إلاَّ بأمرين.

أحدُهُما: توقيف النفس على أنه قد وقع في الشهادة ما لم يكن ليقر به العقل، وكان في الغيب، وهو جود هذا العالم العجيب المحكم على ما أشار الله تعالى إليه، وقد قرره الجاحظ في " العبر والاعتبار " فإنه لو لم يكن مخلوقاً لله تعالى كما جاء به الإسلام، لم يكن بد من القول بالمحارَات، الوقوع في المحالات، فإنه يلزمُ حينئذٍ إمَّا القول بِقَدَمِ العالم، والقِدَمُ بنفسه هو أعظم المحارات، أو القول بحدوثه من غير مُحدِثٍ ولا مُرَجِّحٍ، وذلك من أعظم المحالات، فحينئذ تخضع النفس للاستسلام لبراهين الإسلام.

وثانيهما: تخويف النفس -من الوقوع- في عظيم (٢) العذاب، فإنها كما لا تُؤمن (٣) به، فإنَّها لا تأمن منه، لأن طبيعتها عدم الإيمان بالغيب، وعدم الأمان منه، ولذلك أمر الله تعالى أن يحتج بهذا المعنى على المشركين في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ -إلى قوله- إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} [الأحقاف: ١٠]، وسيأتي


(١) في (ش): ولم.
(٢) في (ش): معظم.
(٣) في (ش): " لا تأمن "، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>