للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى فضيلة أهل الرِّقَّة والخشوع التي هي من آثار استحضار تصوُّر الضروريات فقال سبحانه: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُون} [المائدة: ٨٢]. ثم وصفهم بالمعرفة، ووصف معرفتهم بما يوجب ملازمة (١) الخشوع العظيم، فقال سبحانه: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقّ} [المائدة: ٨٣]، وهذه صفة معرفة الصالحين لا صفة معرفة الجدليين والمنطقيين وهذا مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: ١٠٧ - ١٠٩]، فكيف يقال: إن من اعتقد أن المعارف ضروريةٌ يلزمه إهمال الفكر (٢) والنظير وردُّ القرآن والخبر والأثر.

ولقد صنَّف الجاحظ -وهو من أهل هذه المقالة- كتات " العبر والاعتبار " (٣)، فأتى فيه بما يقضي له بعُلُوِّ القدر في علم النظر من التفكر في عجائب المخلوقات الضروريات.

وكذلك النظر في علم التشريح، وعجيب خِلقة الإنسان والتأمل لما يُدْرَكُ من (٤) ذلك بالتواتر والعيان.

وقد حثَّ الله تعالى على النظير في المشاهدات وهي من


(١) " معرفتهم " ساقطة من (ب).
(٢) في (ش): الذكر.
(٣) ذكره ابن النديم في " الفهرست " ص ٢١١، وياقوت في " معجم الأدباء " ١٦/ ١٠٨ باسم " التفكر والاعتبار ".
(٤) ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>