للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكلام (١)، ونكتَتُه على سبيل الإجمال: أن الله يمنعُ الظن الراجح بذلك في ابتداء التكليف، بما نَصَبَ من القرائن القاضية بنقيضه، وبما بعث من الرُّسل، وأظهر عليهم من المعجزات، بل أوجبت المعتزلة الخاطر الداعي على (٢) الله تعالى، فمتى عاندوا، ورجَّحُوا (٣) المرجوح في الابتداء، جاز أن يُعاقبهم الله تعالى كما لم يُؤمنوا به أوَّل مرة، وهو سبحانه عدلٌ حكيم، وبعباده خبيرٌ بصير، قال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٩) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: ١٠٩ - ١١٠]، فيخلي سبحانه بينهم وبين الشياطين تؤُزُّهُم أزّاً، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: ٣٦]، وقد أشار سبحانه إلى ذلك في قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧]، ونبَّه على ذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح حيث قال: " كل مولودٍ يولد علن الفطرة وإنَّما أبواه يُهوِّدانه ويُنصِّرانه ويُمجِّسانه " (٤) وفي هذا أحاديث كثيرة، {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَات} [فاطر: ٨]، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُون} [الأنفال: ٢٣]، وقد مضى في آخر الوظائف تحقيق الكلام في هذا مبسوطاً، فخُذهُ من هنالك.


(١) في (ش): المقام.
(٢) في (ش): " إلى "، وهو خطأ،
(٣) في (ش): وأرجحوا.
(٤) تقدم تخريجه في ٣/ ٢٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>