للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن العلم الاستدلالي لا يتبغَّضُ وينقسم وكذلك سائر العلوم، بل سائر المعاني البسيطة، وهي التي لا تركيب فيها، وإنَّما الممكن أن يَهَبَ الله تعالى لهم علماً ضرورياً ابتداءً أو عقيب النظر، أو ظناً قوياً لا يكاد يتميَّزُ من العلم إلاَّ للخاصة، يحصُلُ لهم معه من الطمأنينعة ما لا يحصُلُ للمتكلم بالاستدلال الذي يجوز معه ورودُ الشكِّ والشبهة، بل العاميُّ والمُحدِّث وأمثالهم من أهل الطمأنينة أسعدُ حالاً من المتكلم، لسلامتهم من تكفيرِ عامَّة المسلمين ومِن التكبّر على عموم المؤمنين، وممَّا يلحقُهُ من العار في وقوعه في الوسوسة مع دعواه لأرفع مراتب المعرفة، وفي عَدَمِ تمييزه بين الظُّنُون الغالبة حتى حَسِبَها علوماً، وبين العلوم اليقينية المنتهية إلى المقدمات الضرورية حتى رفع إلى مرتبتها الظُّنون الغالبة (١)، والتخيلات الكاذبة، ودليل صحة ذلك أنهم من أشدِّ الناس وسوسةً، بل ما عُلِمَ (٢) أنه ارتدَّ عن الإسلام أحدٌ من أئمَّة القرآن والحديث، وقد ارتدَّ من أئمة الكلام غيرُ واحد.

وممَّا يُقوي هذا المذهب ظواهِرُ السمع، كقوله - صلى الله عليه وسلم - في غير حديث: (من كان في قلبه مثقالُ حبةٍ من خردل من إيمان) (٣)، وقوله تعالى في وصف المؤمنين: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُون} [البقرة: ٤٦]، ونحو ذلك.

وأمَّا حملُ العامة على أنهم يَعرِفُونَ الأدلة المَعْرِفَة (٤) التفصيلية فلا


(١) ساقطة من (ش).
(٢) في (ش): أعلم.
(٣) " خردل من " سقطت من (أ) و (ب). وقد تقدَّم تخريج هذا الحديث في ١/ ٢١١.
(٤) في (ب): " المعروفة "، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>