وأمَّا وقوع النظر على الوجه الصحيح دون غيره، ففي كونه مقدوراً مطلقاً نظرٌ، وإنَّما يقطعُ بذلك حيث يقطع بوجوب معرفة الصواب، واستحقاق المتأوّل للعقوبة قطعاً.
والصحيح أن ذلك لا يقطع به إلاَّ في مخالفة الضروريات من الدين لاسيما العامة، والبُلَدَاء على جميع قواعد أهل النظر المقدمة، وإنَّما العلم من الفضائل والمراتب الرفيعة يؤيِّدُهُ أن العلم من الأعراض التي تزُولُ بالنوم والسهو، ولا يجب تحديدُ النظر في الأدلة عقيب كُلِّ غَفوَةٍ، وكُلِّ غفلة، ومن ادَّعى ذلك، فقد خالف الضرورة الدينية، ويؤيد ذلك ما عُلِمَ بالضرورة من تقرير الأنبياء عليهم السلام لطَغَامِّ العوام والعبيد والنسوان والجُفاة والبُلداء على قبول الإسلام من غير بحث عن الاستدلال والاختبار لهم ولا بيِّنة.
فإن قيل: هلاَّ جوزتُم في العامة أنهم يعرفون الأدلّة الجُملية وأنَّ الأنبياء علموا ذلك منهم، أو حملوهم عليه، فقرروهم على العلم، لا على الظن، ولا على الجهل؟
فالجواب: أن هذا (١) لا يصحُّ إلاَّ عند من يقولُ: إن المعارف ضرورية أو ظنية.
وأما من يقول: إنها نظرية قطعية، فالجواب عليه ما ذكره الرازي في " المحصول " من أن الدليل إذا تركب من عشر مُقدِّماتٍ استحال من العالم الزيادة فيها، ولم يحصل للجاهل العلم متى قلد في واحدة منها، وهذا ضروري، فدلَّ