للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعدم تعميم الحكم فيه بقوله: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم} [الحجرات: ١٢]، والقرآن العظيم (١) يُفسِّرُ بعضه بعضاً، ويُردُّ متشابهه إلى مُحكمِه مع الإمكان، ويوضِّح أنه حيث يُذمُّ يراد به الشَّكُّ المساوي دون الغالب الراجح، قوله تعالى في ذم المشركين: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُون} [الأنعام: ١١٦]، وفي آية أخرى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين} [الأنعام: ١٤٨ - ١٤٩].

ودلالتُها من وجوه:

أحدها: أن عبادة الحجارة ليست راجحةً في العقل، فتكون مظنونة.

وثانيها: أنه حَصَرَ اتِّباعهُم في الظن، فلو أراد الراجح، لكان فيه تنزيهُهُم من اتِّباع الشكِّ المساوي، وهم إليه أقربُ.

وثالثها: قوله: {إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُون}، فإنه من صفات من يتجرأ على محض المباهتة دون من لا يعمل إلاَّ بالظن الراجح، فإنه من صفات أهل الحق لا سيما (٢) وقد قصرهم عليه مبالغةً.

ورابعها: قوله في أول الآية: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، فإنَّ أكثر من في الأرض لا يعملون بالظن الراجح، بل الذي يعمل به من العلماء هم أهلُ الورع والتحرّي، ألا ترى أنَّ من (٣) مذاهب العُلماء في مواضِعَ كثيرةٍ التمسك بالأصل، كالطهارة


(١) في (ش): الكريم.
(٢) في غير (ش): سيما.
(٣) " من " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>