للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شنعتُم به عليهم جماعةٌ من أئمة علم النظر، وهذه كُلُّها معارضات، ويُؤيِّدُ ذلك ما ظَهَرَ من كثير من أئمَّة المعقول، وأعيان المتكلمين، وحُذَّاق الفلاسفة مما يدلُّ على أنَّ العلوم الإلهيات لا تُدرَكُ بالمسالكِ النظريات، وإنما تكون مواهب ربانيات داخلةً في حيِّز الضروريات، أو معارِف ظنيات غير بالغة إلى مراتب الضروريات، ولا مرتبة عندهم بين الظنيات والضروريات، وقد نقل هذا الرازي في " المحصول " (١) عن كثيرٍ من الفلاسفة، فقال في آخر الفصل الثامن: فإن قلت: بل أعرِفُ بضرورة عقلي وجوب النظر عليَّ.

قلت: هذا (٢) مكابرة، لأنَّ وجوب النظر يتوقَّفُ على العلم بأن النظر في هذه الأمور الإلهيَّة يُفيدُ العلم، وذلك ليس بضروري بل نظريٌّ خفيٌّ، فإنَّ كثيراً من الفلاسفة قالوا: فِكرَةُ العقل تُفيدُ اليقين في الهندسيات والحسابيات، فأمَّا في الأمور الإلهية، فلا تفيد إلاَّ الظن، ثم بتقدير أن يثبُت كونُه مفيداً للعلم، فلا يجبُ الإتيانُ به إلاَّ لو عَرَف (٣) أن غيره لا يقومُ مقامه في إفادة العلم، وذلك ممَّا لا سبيل إليه إلاَّ بالنظر الدَّقيق، فإذا كان العلم بوجوب النظر موقوفاً على ذَيْنِكَ المقامين النظريين، فالموقوف على النظري أولى أن يكون نظرياً.

قلتُ: وهذا (٤) مما (٥) يدلُّ على أن الرازي يرُدُّ على من يوجب البلوغ إلى العلم في الإلهيات على العامة دون أن (٦) يُجيز لهم العمل في


(١) في (ش): " محصوله " وانظر ١/ ٢٠٧ - ٢٠٨.
(٢) في (ش): هذه.
(٣) في " المحصول ": فإنَّما يجب الإتيان به لو عرف.
(٤) ساقطة من (ب).
(٥) ساقطة من (ب) و (ش).
(٦) في (ش): من.

<<  <  ج: ص:  >  >>