والذي نحا إليه من التفرقة بين وسوسة الشيطان ومخاطبة البشر، فيه نظر، لأنه ثبت في مسلم من طريق هشام بن عروة، عن أبيه في هذا الحديث " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً، فليقل: آمنت بالله "، فسوى في الكف عن الخوض في ذلك بين كل سائل عن ذلك من بشر وغيره، وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة قال: سألني عنها اثنان، وكان السؤال عن ذلك لما كان واهياً، لم يستحق جواباً، أو الكف عن ذلك نظير الأمر بالكف عن الخوض في الصفات والذات. قال المازري: الخواطر على قسمين: فالتي لا تستقرّ ولا يجلبها شبهة هي التي تندفع بالإعراض عنها، وعلى هذا ينزل الحديث، وعلى مثلها ينطلق اسم وسوسة، وأمَّا الخواطر المستقرة الناشئة عن الشبهة، فهي التي لا تندفع إلاَّ بالنظر والاستدلال، وقال الطيبي: إنَّما أمر بالاستعاذة والاشتغال بأمر آخر، ولم يأمر بالتأمل والاحتجاح، لأن العلم باستغناء الله جل وعلا من الموجد أمر ضروري لا يقبل المناظرة، ولأنَّ الاسترسال في الفكر في ذلك لا يزيد المرء إلاَّ حيرة، ومن هذا حاله، فلا علاجَ له إلاَّ الملجأ إلى الله تعالى والاعتصام به، وفي الحديث إشارة إلى ذم كثرة السؤال عما لا يعني المرء، وعما هو مستغنٍ عنه. (١) برقم (١٠٩٠) عن منتصر بن نصر بن منتصر الواسطي، حدَّثنا أحمد بن سنان الواسطي، حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، حدثنا سفيان الثوري، عن حماد بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إني أجد في نفسي الشيء أن أكون حُمَمَةً أحب إلي من أن أتكلم به، فقال: " ذاك صريح الإيمان ". قال الهيثمي في " مجمع الزوائد ": رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني منتصر. =