للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعدوِّه، وإن أُثيِبَ على نيته.

وما مثل العلماء في علمهم، إلاَّ مثل المجاهدين في جهادهم، فمنهم القوي القلب والبدن، النافع للإسلام، الضارُّ لأعدائه بمجرد ما أعطاه الله تعالى، فإذا انضمَّ إلى ذلك كثرةُ خِبَرةٍ، وطُولُ ممارسةٍ، وتجويد للرياضة في صناعات الرمي، والفراسة، والبَصَر بكيفية الحروب، وما اشتمل عليه علمُ الشطرنج (١)، وإن لم يكن من أهله، وكذلك البصر بأخبار الشجعان ووقعاتهم (٢) وكمال ذلك أن يتمكن من الآلات العظيمة من الخيل الجياد، والسلاح الشاكي، والأتباع، عظمت مضرَّتُهُ للعدو، وذلك بنصر الله وتوفيقه، ومن كان على عكس هذه الصفات، فإنه متى بَرَزَ بين شُجعان الأعادي، لم يزد على أن يكون عاراً على أصحابه، وسبباً لقوة أعدائه، وكان كالباحث عن حتفه بِظِلْفِهِ، والجادع مَارِنَ (٣) أنفه بكفِّه، وكذلك العلماء فتأمَّل ذلك.

واعلم أنَّ أصل الأمور راجعةٌ إلى العطايا الربانية، وأن الله تعالى لا يُخلي عباده وبلاده من قائمٍ لله بحجةٍ على ما أشارت إليه الأخبار (٤)،


(١) تحرف في (ش) إلى: التشريح.
(٢) في (د): ووقائعهم.
(٣) الحتف: هو الموت، والظلف للبقر والغنم كالحافر للفرس والبغل، والخف للبعير، وهو مثل، وأصله أن رجلاً كان جائعاً بالفلاة القفر، ولم يكن معه ما يذبحها به، فبحثت الشاة الأرض، فظهر فيها مدية، فذبحها بها. يُضرب لكل من أعان على نفسه بسوء تدبيره.
والمارِنُ: ما لان من الأنفِ، أو طَرَفُه.
(٤) ثبت ذلك في " صحيح مسلم " (١٩٢٠)، والترمذي (٢٢٣٠)، وابن ماجة (١٠) من حديث ثوبان.
وفي البخاري (٣٦٤١) و (٧٣١٢) و (٧٤٦٠)، ومسلم ٣/ ١٥٢٤، وأحمد ٤/ ١٠١ من حديث معاوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>