للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك مِن مقتضى البلاغة عند علماء البيان، حيث يختلِف الحالان، ويفترِق المقامانِ.

ومِنْ ثََمَّ مدح الله تعالى المؤمنين بالعزَّةِ والذِّلة في آيةٍ واحدة (١)، وَقَرنَ الوعدَ بالوعيد، وأنزل الكتابَ والحديدَ، وكان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- نبيَّ المَرْحَمَةِ والمَلْحَمَة (٢)، وقال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: ٨ - ٩].

ولا شكَّ أن صفة اللُّطف والرفق والرحمة هي الغالبةُ القوية في الكُتب السماوية، والأحوالِ النَّبوية، ومن ثمُّ تمدَّح اللهُ تعالى بأنه وَسِع كُلَّ شيءٍ رحمةً وعلماً، وبأن رحمة الله سبحانه وسعت كُلَّ شيء، وليس في وَعْده لأهل الصلاح بكتابتها؛ التي هي بمعنى إيجابِها لهم ما ينفي سعَتها لِغيرهم، بل هي لهم واجبة، ولغيرهم واسعة، وليس بين أوَّلِ الآية وآخرِها معارضَةٌ، ولم يَرِدْ مثلُ ذلك في الغضب ولا قريبٌ منه، وصحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "إنَّ الله تعالى كَتبَ كِتَاباً


(١) وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: ٥٤].
(٢) كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم (٢٣٥٥) وأحمد ٤/ ٣٩٥ و٤٠٤ و٤٠٧، والطبراني في " الصغير " ١/ ٨٠ ومن حديث حذيفة عند أحمد ٥/ ٤٠٥، والترمذي في " الشمائل " (٣٦٠)، والبغوي في " شرح السنة " (٣٦٣١) وانظر " مجمع الزوائد " ٨/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>