للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما يمتنعُ اشتراكُهما فيه.

فإذا كان القدر المشترك الذي اشتركا فيه صفة كمالٍ كالوجود، والحياة، والعلم، والقدرة، ولم يكن في ذلك ما يدُلُّ على شيء من خصائص المخلوقين كما لا يدلُّ على شيء من خصائص الخالق، لم يكن في إثبات هذا محذورٌ أصلاً، بل إثباتٌ هذا من لوازم الوجود، فكُلُّ موجودين لا بُدَّ بينهما من مثل هذا، ومن نفى هذا لزمَهُ تعطيلُ وجودِ كُلِّ موجود.

ولهذا لما اطلعَ الأئمَّةُ على أنَّ هذا حقيقةُ قولِ الجهمية سمَّوهم مُعطَّلةً، وكان جَهْمٌ ينكرُ أن يُسمَّى (١) اللهُ شيئاً (٢)، وربما قالتِ الجهميةُ: هو شيء لا كالأشياء.

فإذا نُفِيَ القدرُ المشترك مطلقاً، لَزِمَ التعطيلُ التام، والمعاني التي يوصف بها الربُّ تعالى كالحياة، والعلم، والقدرة (٣)، بل والوجود والثبوت والحقيقة ونحو ذلك، تجب له لوازمها، فإنَّ ثبوت الملزوم يقتضي ثبوتَ اللازم وخصائص المخلوق التي يجبُ تنزيهُ الربِّ عنها ليست من لوازم ذلك أصلاً، بل تلك من لوازمِ ما يختص بالمخلوق من وجودٍ، وحياةٍ، وعلمٍ، ونحو ذلك، والله سبحانه مُنَزَّهٌ عن خصائصِ المخلوق، وملزوماتِ خصائصه، وهذا الموضع من فَهِمَه، وتدَبَّرَهُ زالتْ عنه عامةُ الشبهات، وانكشف له غَلَطٌ كثيرٍ من الأذكياء في هذا المقام، وقد بُسِطَ هذا في مواضع كثيرة، وبُيِّن فيها أن القدر المشترك


(١) في (د): يكون.
(٢) " مقالات الإسلاميين " ص ١٨١ و٥١٨.
(٣) في (ش): والقدرة والعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>