للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتهى كلام الذهبي بنصِّه، وحروفِه، فقد بان لك تَصَلُّب هذا الحافظ المطَّلعِ على القطع بتنزيه هذا الإمام من هذه الحموقات، والمنكرات مع عدم مُداهنته، وسطعه بالحق حتى في مثالِبِ الأصدقاء، ومناقب الأعداء، فما رأيتُ له شبيهاً في ذلك، والله يُحِبُّ الإنصاف.

فإن قلت: ومن أين عَلِمَ صحة نفي ذلك عن أحمد حتى حَلَفَ عليه، والشهادة على النفي لا تَصِحُّ.

قلت: مثل ما يَعْلَمُ الزيديُّ كَذِبَ ذلك، لو وَجَدَهُ مسنداً إلى أئمته، وكذلك المعتزلي.

فإن قلت: إنَّ لأئمَّةِ الشيعة والمعتزلة من النصوص على ذلك ما يوجب القطع على براءتهم عن مثل هذا لو لُطِخُوا به.

قلت: هل تُريدُ أن كُلَّ أحدٍ من المكلفين يعلم براءتهم من ذلك وإن لم يشتغل بعلومِهم، ويُطَالِعْ كتبهم، ويَعْرِفْ نصوصَهم فهذا ممنوعٌ، أو تريد أن كل من اشتغل بمعرفة علومهم، ومطالعة كتبهم عرف ذلك، فهذا مسلمٌ، ولكن للذهبي في معرفة مذاهب الفقهاء، والمعلوم منها، والمظنون مثل ما لكم في معرفة مذاهب أئمتكم، ألا تراه حكى أن لأحمد بن حنبل كتاباً في نفي التشبيه في مجلدة، ثم ذكر سائر تواليفه، ومن رواها، وما يَصِحُّ منها عنه، وما لا يَصِحُّ إلى أمثال ذلك ممَّا يُفِيدُ شِدَّة العناية بمعرفة أحواله، فلا ينكر بمن بالغ في معرفة أمر أن يختصَّ فيه بما لا يعرفه سواه، لأن قرائن الأحوال إذا كثُرت، أفادت علوماً ضرورية لا يمكن التصريح بمستندها، كما تُميِّزُ حُمْرَةُ الخجل وصفرة الوَجَل (١) من غيرهما


(١) في (ب) و (د): المرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>