للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقرائن ونحو ذلك.

ولو لم يكن في ذلك من القرائن إلاَّ ما في قصة المِحنة لمن تأملها مما يدل على براءته من هذه العظائم، فإنهم حبسوا الإمام أحمد، وضربوه، وعذبوه على مسألة القرآن، وهي أسهل من مسائل التشبيه.

وكان ابن أبي داود عَدُوَّ أحمد يتمنى ما يُشَنِّعُ به عليه، فكيف يكون في عقل عاقل: قد تظاهر أحمد بالتشبيه الفظيع، ثم ما ضربوه عليه ولا عاقبوه من أجله مع تعرُّضِهم لذلك فيما هو أهونُ منه، ثم إنه عَرَضَ في مناظرتهم ذكر التشبيه، فألزموه ذلك، كما يُلزَمُ المنكرُ الممتنع، وذلك يفيدُ العلمَ بعدم ظهوره عنه، لا يُقالُ أنه ترك إظهار ذلك تَقِيَّةً، لأن من عرف أمرَ المحنة، عَلِمَ أنه لو كان مُتَاقياً لتاقى (١) في مسألة القرآن، فقد خاف القتل فيها، بل توعَّده المعتصم به غير مرة، وظن ذلك أحمد، بل كان أحبَّ إليه من التعذيب، فهذا مع ما تقدَّم من تأليفه في (٢) نفي التشبيه، وروايات ثقات أهل مذهبه، وثناءِ من يُكفِّرُ المشبهة عليه من سائر أهل المذاهب أوضح دليل على براءته.

وأما الشهادة على النفي، فبابُ الشهادات غير ما نحن فيه، ولها أحكامٌ أُخَرُ.

وأما أحكامُ المسلمين فإنَّما يُرجَعُ فيها إلى الظواهر، ومتعلق القطع والظن فيها هو الظواهر غالباً، ويجوز القطعُ بالنفي في باب الحمل على السلامة، لقوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا


(١) في (د): " متأتياً لتأتى " وهو تحريف.
(٢) " تأليفه في " ساقطة من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>