للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولٍ كريمٍ} [التكوير: ١٩] أي حكايته، والمَحكِيُّ كلام الله لقوله: {حتَّى يسمَعَ كلاَمَ اللهِ} [التوبة: ٦].

والحدوث المطلق حدوثُ ذاته، فتركوا الخوض في حدوث الذات لما اختلف أهل الكلام في حقيقة ذات الكلام، هل هي (١) الصوت المقطع حروفاً مفهومةً؟ أو هي المعنى الذي في النفس الذي جعل اللفظ عبارةً عنه؟ فلمَّا شوَّش أهل الكلام عليهم معرفة الذات، ورأوا الحدوث النِّسبي صحيحاً بالإجماع والنص، اقتصروا على موضع الإجماع مع لطيفة نظرية (٢)، وهي أن البلاغة تقتضي أن لا يَرِدَ اللفظ البليغ إلاَّ لإفادة معنى مُهِمٍّ أو خفيٍّ، أو ردٍّ على خصمٍ، ولا يَرِدُ بتعريف المعرَّفات، وكان حدوث الأصوات معلوماً في عهد (٣) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن يومئذٍ من يعتقِدُ قِدَمَ الأصوات فيعرف حدوثها، أعني القدم الاصطلاحيَّ الذي معناه نفيُ الأوَّليَّة، ولا مجرَّدُ الحدوث صفة مدحٍ، فيُمدحُ به القرآن، كما مُدِحَ بكونه ضياءً وشفاءً، وهدىً، ونُوراً، فلا بُدَّ من وجه لذكره، وأقربُ ما يكون أن (٤) ذكر حُدوثه ردّاً لقول المشركين: إنَّه إفكٌ قديمٌ، وإنه أساطير الأولين، فقُوبل الإفك بالذكر، والقديمُ بالمحدث.

فكان المراد بهذا الحدوث نقيضَ القِدَم (٥) الذي أراده المشركون، ولا شكَّ أنهم أرادوا أنه أساطير الأولين اكتتبها (٦) كما صرح به القرآن (٧) لا القِدم الاصطلاحي، فكان المراد بهذا الحدوث هو حدوث نزوله ومجيئه مِنْ


(١) في (ب): هي في.
(٢) في (أ) و (ش) و (د): النظرية.
(٣) في (ب): وقت.
(٤) ساقطة من (ب).
(٥) في (ش): " العدم "، وهو خطأ.
(٦) في (ب): التي اكتتبها.
(٧) كما في الآية (٥) من سورة الفرقان.

<<  <  ج: ص:  >  >>