للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك البَّزازُ يعرف تفاوتاً كثيراً في الثياب المتماثلة في رؤية البدوي الغِرِّ، فإذا كان البدوي الغِرُّ يجوز أن يدرك الجوهري والبزاز فيما اختصَّا به، ما لم يدركه (١)، فكيف لا يجوز في البشر الضعيف في قواه أن يستأثر الله تعالى بإدراك ما لا ندركه من اختلاف الأشياء، وقد صح أن الله تعالى خالف بين الأشخاص في وجوههم مخالفة تُحيِّرُ عقول الأذكياء، فما كان العقل يُدرك أن مقدار شبرٍ يُصوِّرُ بصورٍ مختلفةٍ متمايزة إلى حدٍّ لا نهاية له، وقد يخفي علينا من (٢) ذلك ما لا يخفى على الله تعالى من اختلاف البَعُوض والذَّرِّ، وما هو أصغرُ من ذلك في وجوهها واختلاف الأصوات، وقد سمعت عن بعض (٣) العارفين أن كل حبةٍ من العنب وغيره مخالفة للحبة الأخرى في مقدارها، ولا سبيل إلى تكذيب هذا، وبعضه مُدرَكٌ، ولكن من قطع بأن الله تعالى لا يعلم من ذاته إلاَّ مثل ما يعلمه نظَّارةُ البشر لم يُستنكر (٤) منه أن يقطع على أن (٥) الله تعالى لا يُدرِكُ من اختلاف المختلفات إلاَّ ما يُدرِكه البشر فالله المستعان.

وليت شعري، من أين جاء للعقول القطع بأن ذوات الملائكة مثل ذوات الكلاب والخنازير، وأن ذات النور مثل ذات الظلمة، وذات الرياح مثل ذات الحديد، وما أحسن الإنسان يَقِفُ حيث لا يعلم، ويتأدَّبُ بقول الله تعالى: {ولا تَقْفُ ما ليسَ لَكَ به عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦]. نسأل الله التوفيق، وقد عَظُمَ


= يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها} فقال: أنشدت لبعضهم وذكر البيتين، وزاد بيتاً ثالثاً، وهو:
اغفِرْ لعبدٍ تابَ من فرطاتِه ... ما كان منه في الزَّمان الأوَّلِ
وأوردهما ابن خلكان في " وفيات الأعيان " ٥/ ١٧٣ في ترجمة الزمخشري.
(١) من قوله: " في ظلمة الليل البهيم الأليل " إلى هنا ساقط من (ب).
(٢) في (ب): في.
(٣) في (ب): " وعن بعض "، وفي (ش): " وقد سمعت بعض ".
(٤) في (ش): يستكثر.
(٥) سقطت من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>