البخاري (١)، من حديث ابن عباس. وليس فيه ذكرُ المعجزات، ولا سأل عنها قيصر. وقد بسطْتُ الحُجَّة في هذا؛ في غير هذا الموضع.
وليت المبطلينَ لهذه الطريقة، والْمُكَفِّرين لِمَنْ تَمسَك بهذه العروةِ الوثيقة؛ أتَوْا بما يجْبُر الكُلومَ، ويُحَيِّرُ الخُصُوم، وإنما أثاروا غُبار اللَّجاج، وشَبُّوا نيرانَ الحِجاج. فأتوا بما يُمْكنُ الخصمُ أن يُعَارِضَهُ بنحوه، أو يُنْكِرَ الحجةَ فيه. فَدَوَّنوا وسواسَ الشيطانِ، وما يُورِثُ الحيرةَ على أهْل الإيمانِ، وراموا الاحتجاجَ على مبادىءِ الأدلةِ القوية الفطرية بما هو أدقُّ منها؛ مِن الأساليب النظرية الخفية. حتى ذهب كثير من المعتزلةِ إلى أن بعد العلم بالله، وأنَّهُ صانع العالم، وأنَّه مُتَّصف بصفات الكمال؛ نحتاج إلى دليل آخر يدلُّ على أنه موجود، وأنا قبل ذلك، نجَوِّزُ أنَهُ -مع إيجاده للعالم وكماله في صفاته وأسمائه- معدوم. ثم لا بد لهم من الانتهاء إلى دعوى الضرورةِ، أو سكون النفس في أمور لا تزيدُ في الوضوح على مبادىء الأدلة؛ التي أشار إليها السمعُ، واكتفى بها السَّلَفُ.
وتحصُل بكثرة الإصغاء إلى الشُّبهِ شُكُوكٌ تشْبهُ شُكُوكَ المُوسْوَسين في الطَّهارة. ويمكن فيما انْتَهوْا إليه ما يمكن في مبادىء الأدلة مِن الشَّك، أو دعوى الضرورة. وهذا يقوِّي كلامَ أهل المعارف، وطرائق السلف، كما يأتي مبسوطاً، إنْ شاء الله تعالى.
وربما أنكرَ هذا؛ مَنْ شَرَعَ في تعَلُّمِ الكلامِ، ولم يُحقِّقْ، ولم يَعْرف مقاصدَهُم فَيُصَدِّق.
(١) أخرجه بطوله في " صحيحه " برقم (٦) في بدء الوحي، وانظر أطرافه في: (٥١) و (٢٦٨١) و (٢٨٠٤) و (٢٩٤١) و (٢٩٧٨) و (٣١٧٤) و (٤٥٥٣) و (٥٩٨٠) و (٦٢٦٠) و (٧١٩٦) و (٧٥٤١) منه.