للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى الجُملَة، إنهم جَعلوا ميزان عِلْمهم الذي يتميزُ به عن الجهل، واعتقاد التقليد، وعن الضروريات التي لا تستحق أن تُطلب بالنظر و (١) التَعَلمِ، هو جوازُ ورود الشكِ، وطُرؤ الشُبْهة عليه في الحال، وفي الاستقبال. وأنتَ إذَا حققت النظر، وجدتَ ما كان على هذه الصِّفةِ، خارجاً عن العلم المتميز عن غيره بالجزم والقطع، لأنَّ كل ما جوزت أن ينكشف بطلانُه في وقت من الأوقات، جوزت أن ينكشف بطلانه (٢) الآن، إذ لا أثر للأوقات في البطلان. وكلما جوزت أن ينكشِفَ بطلانُهُ الآن، لم يكن علماً جازماً، ولا كان بينَه وبينَ الظن الغالب الراجح فَرقٌ ألبتة.

إنهم يُسمُّون الوساوِس -في حقِّ المحدثين، ومَنْ لم يعرف الكلام من سَائر علماء المسلمين، وعامةِ المؤمنين-: شَكاً وجهالة، ويجعلونه في حق أنفسهم فارقاً بين الضرورة والدِّلالة (٣).

وقد ذكر الشيخُ تقي الدين (٤)، في " شرح العمدة ". أن في الفرق بينهما إشكالاً. ولما يَزد على هذه الإشارة، وقد أوجز وأبلغ.

وَقَوْلُهُم: إنْ قدِحَ في أركان الدليل؛ فهو شك يجبُ إزالتُهُ وإلا فهو وسواس مُطَّرح، زخرفةٌ لا تحقيق فيها، فإن الشك في الشيء إنما ينشأُ من


(١) في (ب): أو.
(٢) من قوله: " في وقت " إلى هنا، لم يرد في (ب).
(٣) في (ب): الدلالة والضرورة.
(٤) هو الإمام المحدث الفقيه محمد بن علي بن وهب بن مطيع، المعروف بابن دقيق العيد، صاحب المصنفات النافعة الماتعة التي تنبىء عن كونه بلغ رتبة الاجتهاد في العلوم الشرعية، وقد طبع منها " شرح العمدة " و" الاقتراح " و" الإلمام " وغيرها. توفي سنة اثنتين وسبع مئة، انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ " (١٤٨١) و" طبقات السبكي " ٩/ ٢٠٧ - ٢٤٩ و" فوات الوفيات " ٣/ ٤٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>