للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشك في أحد أركان الدليل. والطمأنية بجميع أركان الدليل تستلزم بالضرورة الطُمأنينة بالنتيجة. وكيف يحصل الشك في أن الدراهم في الصندوق، وهو النتيجة المعتقدة، مع الطمأنينة بركني الدليل ومقدمتيه، وهما القطعُ بكون الدراهم في الصُّرة، وكل صُرَّة في الصُّنْدوق. وهذا خَلْفٌ (١) مِن الكلام، وغلاط (٢) مِن أهلِ الكلام.

ولكنَّ هذا شيء لم يُكلف الله المسلمين بإتقانه؛ بإجماع المتكلمينَ والمحدثين وجميع المسلمين، لخروجه عن مقدوراتهم بالضرورة، وكل أحد يجدُ ذلك من نفسه، ولم يسلم منه الأنبياء! صلوات الله عليهم وقد يكون امتحاناً من الله تعالى وقد يكون عقوبةً -والعياذ بالله من ذلك- وقد يكون سببُه من الشيْطَان -نعوذ بالله منه-. قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: ٢٠١] ولذلك وَردَ في الصحيح من غير طريق -كما يأتي- الأمْرُ عند ذلك بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، أعاذنا الله منه.

وهذا لا يخرُجُ من الإيمان -كما يأتي تحقيقُهُ- بل ولا يخْرجُ مِن مطلق العلم اللغوي، فإنَّ الظن الراجح المطابق يُسمَّى علماً في كتاب اللهِ، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهو مذهبُ أبي القاسم البلخي الكعبي (٣)،


(١) الخلْفُ: الرديء من القول، يقال: هذا خلْف من القول: أي: رديء، وفي المثل: سكت ألفاً ونطق خَلْفاً، يقال للرجل يطيل الصمت، فإذا تكلم تكلم بالخطأ.
(٢) الجادة أن يقال في جمع الغلط: أغلاط، وقال ابن سيده: وقد رأيت ابن جني قد جمعه على غلاط ولا أدري وجه ذلك.
(٣) هو شيخ المعتزلة الأستاذ أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الكعبي الخراساني، صاحب التصانيف، المتوفى سنة (٣٢٧) هـ، انظر ترجمته في " سير أعلام النبلاء " ١٥/ ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>