للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، ويوضِّحُه خوضهم فيما لا يعنيهم مما (١) دلَّ السمع على جهل الخلق به، مثل خوضهم في حقيقة الروح مع توقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخوض فيه حين سُئِلَ عنه، وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (٢) [الإسراء: ٨٥]، فإذا رأي الجاهلُ تجاسُرَهُمْ على القطع بدعوى العلوم وتجهيل الناس وتكفيرهم، ظنَّ ذلك من قوَّة ما عَلِمُوا، ولو فكرَّ في اختلافهم وتخطئة بعضهم بعضاً، وتكفيرهم، أمثالهم في الدعوى والعجب ببدعهم، لتَعَارَضَ ذلك عليه، وعَرَفَ (٣) أنَّ خيرَ (٤) الهدي هدْي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وتابعيهم.

الحجة السادسة: قياس واجب الوجود -سبحانه وتعالى عن ذلك- على ممكن الوجود في أشياء كثيرة، مثل قولهم: إنَّ كونه على صفةٍ دون أخرى يجري مجرى الإحكام في الممكنات، والإحكام يدل على الحاجة إلى المحكم، وهي شبهة الملاحدة في نفي جميع الأسماء والصفات حتى الوجود.

والجواب إنَّ ذلك إنما دل في المحدث (٥) لإمكانه، ولذلك لا يصِحُّ الاستدلالُ حتى يُقرِّر أنه ممكنٌ، لأن واجبَ الوجود لا يمكن تعليله، لأنه لو كان


(١) في (ش): عما.
(٢) أخرج البخاري (٤٧٢١)، والترمذي (٣١٤١) من حديث عبد الله بن مسعود -واللفظ للبخاري- قال: " بينا أنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حرثٍ وهو متكىءٌ على عسيب، إذ مرَّ اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال: ما رابكم إليه، وقال بعضهم: لا يستقبلكم بشيء تكرهونه، فقالوا: سلوه فسألوه عن الروح، فأمسك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يرد عليهم شيئاً، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي، قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}.
وهو عند الترمذي (٣١٤٠) بلفظ آخر من حديث ابن عباس.
(٣) في (أ): " وعرفت "، وفي (ج): " علم "، وفي (د): لعرف.
(٤) ساقطة من (ب).
(٥) في (ش): على الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>