للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسماء والصفات قالت الباطنية: وإنما هي مجازٌ لا حقيقة له، وكلُّ اسمٍ أو وصفٍ منها يوجب التَّشبيه، ويجب نفيه عن الله تعالى على جهة التعظيم والتنزيه، ونسبتها إلى الله تعالى كنسبة الجناح إلى الذُّلِّ في قوله تعالى: {واخفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ .. } [الإسراء: ٢٤].

ولو قال قائل: ليس للذل جناحٌ، وقصد الحقيقة، كان صادقاً عندهم (١) فكذلك، من نفي الأسماء الحسنى عن الله تعالى، وقصد الحقيقة، كان صادقاً عندهم، فالنَّافي لرحمة الله عز وجل، الواصف له بأنه ليس برحمن، ولا رحيمٍ، ولا عليٍّ، ولا عظيم، كالنافي للجناح عن الذُّلِّ، والإرادة عن الجدار، صادقٌ عندهم، بل هو (٢) أصدقُ عندهم ممَّن سمَّاه الرحمن على سبيل التجوُّز (٣).

وكما (٤) أن إثبات المجاز لا ينفعُ الباطنية فيما نَفَوهُ من حقائق صفات العليم القدير وحقائق المَعاد فكذلك إثبات المجاز لا ينفعُ المعتزليَّ فيما نفاه من حقائق صفات الرحمن الرحيم، العلي العظيم، وما أبدَوْهُ من الفرق في ذلك غيرُ صحيحٍ عند خصومهم، ومعارضٌ عندهم كما تقدَّم في الوهم الخامس عشر في كلام شيخ الإسلام. فهاتان طائفتان متقابلتان أعني: الباطنية الذين نَفَوُا الأسماء كلها، وأهل الأثر الذين أثبتوها كلها.

وأمَّا المعتزلة والأشعرية، ففرَّقوا بين الأسماء والصفات، فتارةً يوافقون أهل السنة، وتارة (٥) يوافقون الباطنية، واعتمدوا في التفرقة على أدلةٍ عقليةٍ دقيقةٍ خفيَّةٍ، أدَّت إلى القطع عندهم بنفي أمرين جليَّين عند مخالفيهم من أهل السنة


(١) ساقطة من (ب).
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) في (ش): التجويز.
(٤) في (ش): فكما.
(٥) في (ب): ومرّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>