للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقوى وأجلى في الفِطَرِ العقلية من أدلتهم على نفيه بكثيرٍ، ونفيُ الأجلى بالأخفى باطلٌ، ولا يعرف هذا إلاَّ من اطَّلع على تلك الأدلة التي ظنُّوها قاطعة، التي قدمنا الكلام فيها آنفاً.

فإن قيل: إذا كان أهل السنة ينفون الكيفيَّة عن الاستواء والعلوِّ ونحو ذلك، فقد شاركوا المتكلمين في مخالفه الفطر (١) العقلية، وعدم القبول لظواهر النصوص السمعية، ولم يبق بينهم خلافٌ إلاَّ في العبارات اللفظية، ففي أي شيءٍ افترقوا على التَّحقيق؟ وما بالهم يوهمون الاختصاص لكمال (٢) التصديق؟ فجوابهم عن ذلك من وجهين:

أحدهما: أنهم -أو كثيرٌ منهم- لم ينفوا حقيقة العلوِّ المفهومة من حيث هي (٣) مجرَّدة عن لوازمها التي لا تجوز على الله عز وجل، وإنما نَفَوْا تلك اللوازم ذاهبين إلى أن المستلزم لها أمورٌ تَخْتَصُّ بالأجسامِ التي يجب القَطْعُ بنفي تشبيه الله عز وجلَّ بها (٤)، لا أن (٥) العلوَّ من حيث هو علوٌ هو الذي التزمها كما تقدَّم ذلك قريباً في ردِّهم لأدلَّة المعتزلة، فاعِرفْ ذلك، وأنهم إذا أطلقوا العُلُوَّ عَنَوْا به ما فوق العالم جميعاً (٦)، وذلك خارجٌ عن الجهات المخلوقة، فلا يتصَّور منه لزومُ الحاجة إليها عندهم.

وثانيهما: أنهم لم ينفوا علم الله سبحانه بحقائق أسمائه، وما نطق به التنزيل من نعوت الرَّبِّ الجليل، ولم يُثبتوا الحيرة (٧) في ذلك على الإطلاق،


(١) في (ب) و (ج) و (ش): الفطرة.
(٢) في (ب): بكمال.
(٣) ساقطة من (ش).
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) في (ب): " إلاَّ أن "، وفي (أ) و (ش): " لأن ".
(٦) في (ب): جميعه.
(٧) في (ش): الخيرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>