للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلف عن السلف (١) من غير نكيرٍ (٢).

والعادة العقلية تقضي (٣) بوجوب رفع هذه الظواهر، لا سيَّما مع مطابقتها لما ذُكر في الفِطَرِ، وأن لا يهمل الخلق، فكيف يأتي رجلٌ من قرية جُبّة (٤) من سواد الكوفة، فيستنبط ذلك برأيه، ويقبلَ منه، ويردَّ به جميع ما اشتملت عليه الكتب السماوية وتكرَّر فيها وتلاوة (٥) السلف والخلف على جهة الحمد والمدح والثَّناء لربِّ العزَّة، سبحانه وتعالى.

قالوا: ولم تكتف المعتزلة والأشعريَّةُ حتَّى جعلوا هذه الممادح الحميدة تقتضي بظاهرها سبَّ الربِّ الحميد المجيدِ وذمَّه، وجعلوا الإيمان الواجب بها كفراً ومُروقاً، والاستقامة على ذلك بَلَهاً وجُموداً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

الوجه الرابع: أن الكل من المختلفين نقلوا عن الصحابة أنهم سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن رؤية ربه يوم القيامة، وإنما اختلف الناس في تأويل جوابه لهم أو تقريره (٦)، وهم بإجماع الفريقين - أصحُّ أذهاناً وأتمُّ إيماناً، وسؤالهم عن ذلك يدلُّ علي عدم اعتقادهم لتعطيل معبودهم عن الجهات كما زعمت المعتزلة والأشعرية، وكذلك كُلُّ ذي فطرةٍ سليمةٍ لم تمرَض بداء الكلام من جميع العقلاء من أهل الإسلام وغيرهم، والتجربة وامتحان العقلاء يصدق ذلك.

فإن قيل: إن الصحابة كانوا أقربَ إلى البَلَهِ وعدم التحقيق في العقليَّات


(١) في (ب): " السلف عن الخلف "، وهو سهو من الناسخ.
(٢) تحرفت في (ش) إلى: " ذكر "، وهو خطأ.
(٣) في (ش): تقتضي.
(٤) كذا في الأصول. والصواب " جُبّى " بالضم ثم التشديد والقصر، والنسبة إليها: جُبائي، كما في " معجم البلدان "، و" صورة الأرض " لحوقل ص ٢٣١، وفي " الروض المعطار " للحميري ص ١٥٦: جباي، ونسبوا إليها أبا علي الجبائي عناه المصنف.
(٥) في (ش): تلا، وفي (ج): وتلاه.
(٦) في (ش): وتقريره.

<<  <  ج: ص:  >  >>