للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال قتادة: هو أعظمُ من أن تُدرِكَهُ الأبصار (١).

وقال عطية (٢): ينظرون إلى الله تعالى، ولا تُحِيطُ أبصارُهم به من عظمته، وبصره (٣) يحيط بهم، فذلك قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار} (٤) [الأنعام: ١٠٣] فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عِياناً، ولا تدركه أبصارهم بمعنى أنها (٥) لا تحيط به، إذ كان غير جائزٍ أن يُوصف الله عز وجل بشيءٍ يُحيط به، وهو بكل شيءٍ محيطٌ. وهكذا يُسمعُ كلامه من شاء من خلقه، ولا يحيطون بكلامه، وهكذا (٦) يُعَلِّمُ الخلق ما علمهم، ولا يُحيطون بعلمه.

ونظير هذا استدلالهم على نفي الصفات بقوله تعالى: {ليس كَمثلِهِ شيءٌ} [الشورى: ١١] وهذا من أعظم الأدلة: على كثرة صفات كماله (٧) ونُعوت جلاله، وأنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مِثْلٌ فيها، وإلا فلو أراد بها نفي الصِّفات، لكان العدم المحضُ أولى بهذا المدح منه، مع أن جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل: فلانٌ لا مِثْلَ لهُ، وليس له نظير ولا شبيه ولا مثل (٨)، أنه قد تميَّز عن الناس بأوصافٍ ونعوتٍ لا يُشاركونه فيها، وكلَّما كثُرَت أوصافهُ ونعوته، فات أمثاله، وبَعُدَ عن مشابهة أضرابه. فقوله: {ليس كمثله شيء} من أدلِّ شيءٍ على كثرة نعوته وصفاته، وقوله: {لا تدركه الأبصار} من أدلِّ شيءٍ على أنه يُرى ولا يُدرَكُ. وقوله: {هو الذي خلق السماوات والأرض في


(١) رواه ابن جرير (١٤٦٩٤) من طريق بشر، عن يزيد، عن سعيد، عن قتادة.
(٢) هو عطية بن سعد العوفي، ضعفوه في الرواية، وقوله هذا عند ابن جرير (١٣٦٩٦).
(٣) تحرفت في (ب) إلى: وبصيره.
(٤) من قوله: " وقال عطية " إلى هنا ساقط من (ش).
(٥) في (ب): " أنه "، وهو خطأ.
(٦) في (ش): وهذا.
(٧) تحرفت في (أ) إلى: جماله.
(٨) في (أ): مثيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>