للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستعمل أحدُهما حيث لا يستعمل الآخر (١)، فيقال: أُحِبُّ جاريتي، ولا يقال: أريدُها؟

قلنا: كلامنا فيما إذا استُعملا حقيقةً، وهذا فقد استعمل مجازاً، وحقيقته " أُحِبُ " (٢): الاستمتاع بها، فلا جرم، يجوز أن نقول: أريد الاستمتاع بها، وصار الحال فيما ذكروه كالحال في الغائط، فإنه المكان المطمئن في الأصل، ثم يُتجوَّز به في الكناية عن قضاء الحاجة، ولا يُستعمل بدله (٣) المكان المطمئنُّ في الكناية عن قضاء تلك الحاجة لما كان ذلك الاستعمال على سبيل التَّوسُّع والمجاز، لا على وجه الحقيقة، كذلك ها هنا.

فإن قيل: أليس أنهم يقولون: أدركتُ ببصري حرارة الميل، فكيف يصحُّ قولهم: إن الإدراك إذا قُرِنَ بالبصر لا يحتمل إلاَّ الرؤية؟

قلنا: هذا ليس من اللغة في شيءٍ، وإنما اخترعه ابن أبي بشرٍ الأشعري ليصح (٤) مذهبه به، إذ لم يَرِدْ في كلامهم: لا المنظوم ولا المنثور، يبين ما ذكرناه، ويوضحه: أن هذه " الباء " إذا دخلت على الأسامي أفادت أنها آلةٌ فيما دخلت فيه كقولهم: مشيتُ برجلي، وكتبت بقلمي. والبصرُ ليس بآلةٍ في إدراك الحرارة، إذ الخيشوم يُشاركه في ذلك، فلو كان آلة فيه، لم يَجُزْ ذلك، ألا ترى أن البصر لما كان آلة في الرُّؤية، لم يُشاركه فيها آلة السمع وغيره من الحواس؟ كذلك كان يجب مثله في مسألتنا، على أنا لم نقل: إنَّ الإدراك إذا قُرِنَ بالبصر، وقُيِّدَ بالحرارة، فإنه لا يُفيدُ إلاَّ الرؤية، فمتى (٥) يكون هذا نقضاً لكلامنا؟ وإنما قلنا: إنه إذا قُرِنَ بالبصر، لم يحتمل إلاَّ الرُّؤية، فلا يتوجه هذا على ما قلناه.


(١) في (ب): " الأخرى "، وفي (أ): بالآخر.
(٢) في (ب): لسبب.
(٣) في (ب): به.
(٤) في " شرح الأصول الخمسة " ليصحح.
(٥) في " شرح الأصول الخمسة ": حتى.

<<  <  ج: ص:  >  >>