للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: ولم قلتم: إنَّ هذه الآية وردت مورد التمدُّح؟

قلنا: لأن سياق الآية يقتضي ذلك، وكذلك ما قبلها وما بعدها، لأن جميعه في مدائح الله سبحانه، وغير جائزٍ من الحكيم أن يأتي بجملةٍ مشتملةٍ على المدح، ثم يخلِطُ بها ما ليس بمدح ألبتَّة. ألا ترى أنه لا يَحْسنُ أن نقول: فلانٌ وَرِعٌ، تقيٌّ، نقيُّ الجيب، مرضيُّ الطريقة، أسودُ، يأكل الخبز، يُصلِّي بالليل ويصوم بالنَّهار، لما لم يكن لكونه أسودَ، وأكله (١) الخبز تأثيرٌ في المدح؟ يبيِّنُ ذلك أنه تعالى لما بيَّن تميُّزه عمَّا عداه من سائر الأحياء (٢) بنفي الصاحبة والولد، بين أنه يتميز عن غيره من الذوات بأنه لا يُرى ويرى (٣).

وبعد، فإن الأمة اتفقوا على أن الآية واردةٌ مورد المدح، وأنه لا (٤) كلام في ذلك، وإنما الكلام في جهة التَّمدح، فمنهم من قال: إن التمدح هو بأن القديم -تعالى- لا يُرى، لا في الدنيا، ولا في الآخرة على ما يقوله، ومنهم من قال: إن التَّمدُّح هو أنه لا يرى في دار الدنيا، ومنهم من قال: إن التمدُّح في أنه لا يُرى بهذه الحواسِّ، وإن جاز أن يُرى بحاسَّةٍ أُخرى، فصحَّ أن الآية وردت مورد التمدح على ما ذكرناه، ولا تمدُّح إلاَّ من الجهة التي نقولها.

فإن قيل: وأيُّ مدحٍ في أن لا يُرى القديمُ تعالى، وقد شاركه فيه المعدومات وكثيرٌ من الموجودات؟

قلنا: لم يقع التمدح بمجرد أن لا يرى، وإنما يقع التمدح بكونه رائياً، ولا يرى، ولا يمتنع في الشيء أن لا يكون مدحاً، وعلى هذا لا مدح في نفي


(١) في " شرح الأصول ": يأكل.
(٢) في " شرح الأصول ": من الأجناس.
(٣) عبارة " لا يرى ويرى " ساقطة من (ب)، وفي (أ) و (ج): " لا يرى ولا يرى "، والمثبت من (د) و" شرح الأصول الخمسة ".
(٤) قوله: " المدح وأنه لا " من (د)، وفي باقي الأصول بياض مكانها، وفي " شرح الأصول الخمسة ": " التمدح " وسقط بعده: " وأنه لا كلام في ذلك ".

<<  <  ج: ص:  >  >>