للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ذاته، لا لأنه يفعل أمراً من الأمور. وإذا كان الأمر كذلك، صح أن هذا الأمر يرجع إلى الذات على ما نقوله.

فإن قيل: ولِمَ قلتم: إن ما كان نفيهُ مدحاً راجعاً إلى ذاته، كان إثباته نقصاً.

قيل له: لأنه لو لم يكن إثباته نقصاً، لم يكن نفيه مدحاً (١)، ألا ترى أن نفي السِّنَةِ والنوم لمَّا كان مدحاً، كان إثباته نقصاً؟ (٢) حتَّى لو قال أحدٌ: إنه تعالى ينام، كان هذا نقصاً.

وبعد: فإنه تعالى إذا لم يُرَ إنما (٣) لم يُرَ لما هو عليه في ذاته (٤)، فلو رُئِيَ، لوجب أن يكون قد خرج عما هو عليه في ذاته، فكان نقصاً.

فإن قيل: وأيُّ نقصٍ في أن يُرى القديم؟ وما وجه النقص؟

قلنا: لا يلزمنا أن نعلم ذلك مفصلاً، بل إذا علمنا على الجملة أنه تعالى تمدَّح بنفي الرؤية عن نفسه مدحاً راجعاً إلى ذاته، وعلمنا أن ما كان نفيه مدحاً راجعاً إلى الذات، كان إثباته نقصاً، كفى، وإذا أردت التفصيل، فلأن فيه انقلابه وخروجه عما هو عليه في ذاته.

فإن قيل: ما أنكرتم أن المراد بقوله تعالى: {لا تُدرِكُه الأبصارُ}، أي لا تحيط به الأبصار، ونحن هكذا نقول.

قلنا: الإحاطة ليس هي بمعنى الإدراك، لا في حقيقة اللُّغة، ولا في مجازها، ألا ترى أنهم يقولون: السُّورُ أحاط بالمدينة، ولا يقولون: أدركها، ولا أدرك بها، وكذلك يقولون: عين الميت أحاطت بالكافور، ولا يقولون: أدركته.


(١) في " شرح الأصول ": التمدح.
(٢) في (أ): " لم يكن نقصاً ".
(٣) في (أ): بما.
(٤) في الأصول: " ذلك "، والمثبت من " شرح الأصول الخمسة ".

<<  <  ج: ص:  >  >>