للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد: فإن هذا حملٌ لخطاب الله تعالى على غير (١) ما تقتضيه حقيقة اللُّغة ومجازها، فلا يجوز.

يُبيِّنُ ذلك أن أحدنا إذا قال: فلان لا يرى، فإنه لا يقتضي كونه قادراً على أن يمنع من رويته، لا في حقيقة اللغة ولا في مجازها، فكيف يصحُّ ما ذكرته؟

فإن قيل: ولِمَ قلتم: إن هذا التمدُّح راجعٌ إلى الذات؟

قلنا: لأن المدح على ضربين:

أحدهما: يرجع إلى الذات. والثاني: يرجعُ إلى الفعل.

وما يرجع إلى الذات قسمان: أحدهما يرجع إلى الإثبات (٢)، نحو قولنا: قادرٌ، عالمٌ، حيٌّ، سميعٌ، بصيرٌ.

والثاني: يرجع إلى النَّفي، وذلك نحو قولنا: لا يحتاج، ولا يتحرَّك ولا يسكن.

وأما ما يرجع إلى الفعل، فعلى ضربين أيضاً (٣):

أحدهما: يرجع إلى الإثبات، نحو قولنا: رازقٌ، ومحسنٌ، ومتفضِّلٌ.

والثاني: يرجِعُ إلى النفي، وذلك نحو قولنا: لا يَظْلِمُ، ولا يكذِبُ.

إذا ثبت هذا، فالواجبُ أن ننظر في قوله تعالى: {لا تُدرِكُهُ الأبصارُ} من أيِّ القبيلين هو؟ لا يجوز أن يكون من قبيل ما يرجع إلى الفعل، لأنه تعالى لم يفعل فعلاً حتى لا يُرى، وليس يجب في الشيء إذا لم ير أن يحصل منه فعل حتى لا يُرى، فإن كثيراً من الأشياء لا تُرى، وإن لم تفعل أمراً من الأمور كالمعدومات، وكثيرٍ من الأعراض، والشيء إذا لم يُرَ، فإنما لم يُرَ لما هو عليه


(١) في الأصول: " قدر "، والمثبت من " شرح الأصول ".
(٢) في (ب): إثبات.
(٣) ساقطة من (ب).

<<  <  ج: ص:  >  >>