للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيان ذلك أن أحدنا إذا قال: كتبتُ (١)، يحتمل أن يكون قد كتبه بنفسه، ويحتمل أن يكون استكتب غيره، وليس كذلك إذا قال: كتبت يدي، ومشت رجلي، فإنه لا يحتمل ذلك.

وبعد: فإن هذا تأويلٌ بخلاف تأويل المفسرين، فإن المفسرين من لدن الصحابة إلى يومنا هذا على أن المراد بالأبصار: المبصرون، إلاَّ أنهم اختلفوا، فمن قائل: لا يُدرِكُهُ المبصرون في دار الدُّنيا، ومِنْ قائل: لا يدركه المبصرون في حال من الأحوال، وكل تأويل يكون بخلاف تأويل المفسرين كفتوى (٢) تكون بخلاف فتوى المفتين.

فإن قيل: لو كان المراد بقوله: {لا تُدرِكُهُ الأبصارُ} المبصرون، لوجب مثله في قوله: {وهو يُدرِكُ الأبصارَ} أن يكون المبصرين، ليكون النفي مطابقاً للإثبات، وهذا يقتضي أن يرى القديم نفسه، لأنه من المبصرين، وكل من قال: إنه تعالى يرى نفسه، قال: يراه غيره.

قيل له: إنه تعالى -وإن كان مبصراً- فإنما يرى ما كان يدرك (٣) وتصِحُّ رؤيته، ونفسه يستحيل أن ترى لما قدمناه أنه تمدح بنفي الرؤية تمدُّحاً راجعاً إلى ذاته، وما كان نفيه مدحاً راجعاً إلى ذاته، كان إثباته نقصاً، والنقص لا يجوز على الله تعالى.

وبعد: فإن المراد بقوله: {لا تدركه الأبصارُ} المبصرون بالأبصار، فكذلك في قوله: {وهو يُدرك الأبصَار}، يجب أن يكون هذا هو المراد، ليكون النفي مطابقاً للإثبات، والله تعالى ليس من المُبْصِرين بالأبصار. فلا يلزم ما ذكرتموه.


(١) في (أ): " إنه يحتمل "، وفي (ج): ويحتمل.
(٢) في " شرح الأصول ": فهو كفتوى.
(٣) " كان يدرك " ساقط من " شرح الأصول ".

<<  <  ج: ص:  >  >>