للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعدُ: فلا يجوز مِنَ الله تعالى أن يُجمَعَ بينه وبين غيره في الخطاب، بل يجب أن يُفرَدَ بالذكر تأديباً لنا، وتعليماً للتعظيم، وعلى هذا فإن أمير المؤمنين عليه السلام لمَّا سمعَ خطيباً يقول: " مَنْ أطاع (١) الله ورسوله فقد رَشَدَ، ومن يَعْصِهما فقد غوى " فنهى عن الجمع بينَ الله ورسوله في الذِّكر إعظاماً وإجلالاً لله جلّ ذكره (٢).

فإن قيل: قوله تعالى: {لا تُدرِكُهُ الأبصَارُ وهو يُدرِكُ الأبصار} عامٌ في الدَّار (٣) الدنيا ودارِ الآخرة. وقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢، ٢٣] خالصٌّ في دار الآخرة، ومن حقِّ العامِّ أن يُبنى (٤) على الخاص، كما أن من حق المُطلق أن يُبنى على المقيَّد.

ورُبما يستدلِّون بهذه الآية ابتداء على أنه تعالى يُرى في دار الآخرة.

وجوابنا أن العام إنما يُبنى على الخاص إذا أمكن تخصيصه، وهذه الآية لا تحتمل التخصيص، لأنه تعالى تمدَّح بنفي الرؤية تمدُّحاً يرجع إلى ذاته (٥)، وما كان نفيه مدحاً راجعاً إلى ذاته، كان إثباته نقصاً، والنَّقصُ لا يجوز على الله تعالى (٦).

وبعد: فإن هذه الآية إنما تخصِّصُ تلك الآية إذا أفادت أنه تعالى يُرى (٧)


(١) في (د): يطع.
(٢) هذا النهي ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد أخرج أحمد ٤/ ٢٥٦، ومسلم (٨٧٠)، والنسائي ٦/ ٩٠، وأبو داود (١٠٩٩) و (٤٩٨١) من حديث عدي بن حاتم قال: تشهَّد رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما: من يُطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله ". وانظر " صحيح ابن حبان " (٢٧٩٨). وقد تقدم تخريجه ١/ ٢٣١.
(٣) في (د): دار.
(٤) في " شرح الأصول ": يحمل.
(٥) في (ج) تمدحا لرؤيته.
(٦) في " شرح الأصول " زيادة: على وجه.
(٧) في (ج): يرونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>