للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خُزْرَ (١) الحواجِبِ ناكسي أذقانِهم (٢) ... نَظَرَ الذَّليلِ إلى العَزيزِ القَاهِرِ

وقال آخر (٣):

تُخَبِّرُني العَيْنَانِ ما الصَّدْرُ كَاتِمٌ ... وما جَنٌّ بالبغضاءِ والنَّظرِ الشَّزْر

وأيضاً فإنهم يقولون في تفسير الأقبل -وهو الأحول- هو الذي إذا نظر إليك كأنه ينظر إلى غيرك، فلو كان النظر هو الرؤية، لكان تقديره هو الذي إذا رآك كأنه يرى غيرك، وهذا لا يستقيم.

وبعد، فإنا نعلم ضرورة كون الجماعة ناظرين إلى الهلال، ولا نعلم كونهم رائين له ضرورة، ولهذا يَصِحُّ أن يسأل عن ذلك. فلو كان أحدهما هو الآخر، لم يَجُزْ ذلك. ويدلُّ على ذلك أيضاً قوله تعالى: {وتراهُم ينظُرُون إليك وَهُم لا يُبْصِرُون} [الأعراف: ١٩٨]، أثبث النظر، ونفي الرؤية. فلو كان أحدهما بمعنى الآخر، لتناقض الكلام، وتنزَّل منزلة قول القائل، يَرَوْنَك ولا يَرَوْنَكَ. وذلك خُلْفٌ من الكلام.

فإن قيل: إن ذلك مجازٌ، لأنه ورد في شأن الأصنام.

قلنا: إنه -وإن كان كذلك- إلاَّ أن المجاز كالحقيقة في أنه لا يصح التناقض.

وحاصل هذه الجملة: أن النظر من الرؤية بمنزلة الإصغاء من السماع، والذوق من إدراك الطَّعم، والشَّمِّ من إدراك الرَّائحة.

فإن قيل: النظر إذا أُطلِقَ يحتملُ معاني كثيرةً كما ذكرتموه، فأما إذا عُلِّق بالوجه، فلا يحتمل إلاَّ الرؤية، كما إذا عُلِّق بالقلب لا يحتمل إلاَّ الفكر، وربما


(١) في (أ): غرر.
(٢) في (ب): أبصارهم.
(٣) ذكر عجزه في " اللسان " (جنن)، ونسبه إلى الهذلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>