للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون: إن النظر إذا غُلِّق بالوجه وعُدِّي بـ " إلى "، لم يحتمل إلاَّ الرؤية.

قلنا: ما ذكرتموه أولاً فممَّا لا نسلمه، فما دليلكم عليه؟.

فإن قالوا: الدليل عليه هو أن الآلة التي يرى بها الشيء في الوجه، فيجب في النظر إذا عُلِّق به أن لا يحتمل إلاَّ الرؤية، لأنه لو لم يكن كذلك، لكان لا تثبت لتعليقه (١) به فائدة.

قلنا: لو وجب صحة ما ذكرتموه من حيث إن الآلة التي يرى بها في الوجه، لوجب صحة أن يقول (٢) القائل: ذُقتُ بوجهي، ويريد به: أدركت الطعم، لأن آلة الذوق في الوجه. وهكذا في قوله: شممتُ بوجهي. وقد عُرِفَ خلافه.

وأما ما قالوه من أن النظر إذا عُلق بالوجه، وعدي بـ " إلى " لم يحتمل إلا الرؤية، فسنتكلَّم عليه إن شاء الله تعالى.

فإن قيل: النظر المذكور في الآية إذا لم يُفِدِ الرؤية، فما تأويل الآية؟

قيل له: قد قيل: إنَّ النظر المذكور ها هنا بمعنى الانتظار، فكأنه تعالى قال: وجوهٌ يومئذ ناضرة لثواب ربِّها منتظرة، والنظر بمعنى الانتظار قد ورد، قال تعالى: {فَنَظِرَةٌ إلى ميسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] أي: انتظار، وقال عزَّ وجلَّ حاكياً عن بلقيس: {فناظِرَةٌ بِمَ يرجِعُ المُرسَلُونَ} [النمل: ٣٥]، أي منتظرة. وقال الشاعر:

فإن يكُ صدرُ هذا اليوم وَلَّى ... فإنَّ غداً لِنَاظِرِهِ قريبُ (٣)


(١) في (د): لتعلُّقه.
(٢) في (د): قول.
(٣) مكان بيت الشعر بياض في (ب)، وهذا البيت من قصيدة لهدبة بن خشرم أوردها القالي في " أماليه " ١/ ٧٢ يقول فيها:
يؤرقني اكتئابُ أبي نُميرٍ ... فقلبي من كآبتِه كَئِيبُ =

<<  <  ج: ص:  >  >>