للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والانتظار الموت الأحمر، وهذه الحالة غير جائزةٍ على أهل الجنة.

وجوابنا أن الانتظار لا يقتضي تنغيص العيش على كل حال، وإنما يوجب ذلك متى كان المنتظر لا يتيقَّن حصول ما ينتظره إليه، أو يكون في حبسٍ، ولا يدري متى يتخلص من ذلك، وهل يتخلص، أم لا؟ فإنه -والحال هذه- يكون في غمٍّ وحسرةٍ. فأمَّا إذا تيقَّن وصوله إليه، فلا يكون في غمٍّ وحسرةٍ، خاصة إذا كان حال انتظاره في أرغد عيشٍ وأهناه.

ألا ترى أنَّ من كان على مائدة قومٍ، وعليها ألوان الأطعمة اللذيذة، يأكل منها ويلتذُّ بها، وينتظر لوناً آخر، ويتيقن وصوله، فإنه لا يكون في تنغيصٍ وتكدير، بل يكون في سرورٍ متضاعفٍ، حتى لو قُدِّم إليه الأطعمة كلها دفعة واحدة لتبرَّم بها، كذلك حال أهل الجنة لا يكونون في غمٍّ وتنغيص إذا كانوا يتيقنون وصولهم إلى ما ينتظرون على كل حال.

وللقوم شُبَهُ في هذا الباب: من جملتها: قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قالوا: بين الله تعالى (١) أن الوجوه يوم القيامة تنظر إليه، وهذا يدل على كونه مرئيّاً على ما نقوله. والأصل في الكلام عليهم أن نمنعهم من الاستدلال بالسمع، لأن (٢) الاستدلال بالسمع ينبني على أنه تعالى عَدْلٌ، حكيم، لا يُظهر المُعْجِز على الكذابين، والقوم لا يقولون بهذا، فلا يمكنهم الاستدلال بالسمع أصلاً على شيءٍ، وعلى (٣) أنا قد بينا أن النظر ليس هو الرؤية. وتكلمنا عليه، فلا وجه لإعادته.

ومما يتعلقون به: قوله تعالى: {ربِّ أرني أنظُرْ إليكَ} [الأعراف: ١٤٣]. قالوا: فهذا سؤالٌ، وقد سأل موسى الله الرؤية، فدلَّ على أنها جائزة على الله تعالى، فلو استحال ذلك، لم يجُزْ أن يسأله، والذي يدلُّ على أن


(١) قوله: " قالوا بين الله تعالى " بياض في غير (د).
(٢) في (ب) و" شرح الأصول ": بالسمع أصلاً لأنَّ.
(٣) تحرفت في (أ) إلى: الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>