للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الصاحبة والولد، فلا يصح، لأنه إنما لم يسأل، لا لأن الصاحبة والولد مستحيلٌ على الله تعالى، والرؤية غير مستحيلةٍ، بل لأنهم لا يطلبون منه ذلك، حتى لو قدَّرنا أنهم طلبوا منه ذلك، وعَلِمَ أنه لا يُقنعهم، لجاز أن يسأل الله تعالى ذلك، وقد قيل: إن بين الموضعين فرقاً، لأن إحدى المسألتين لا يمكن أن يُستدلَّ عليها بالسمع والأخرى يُمكن ذلك فيها، ففارق أحدُهما الآخر.

وأما ما ذكروه من أن السؤال سؤال موسى عليه التسلام، لأنه أضاف الرؤية (١) إلى نفسه بقوله: {ربِّ أرني أنظُر إليك}، فلا يصح، لأنه غير ممتنع أن يكون السؤال سؤال قومه، ثم إنه يضيفه إلى نفسه، وهذا ظاهرٌ في الشاهد. ألا ترى أن الكبير منَّا إذا شَفَعَ لغيره في حاجةٍ، ربما يقول: اقضِ حاجتي، وأنْجِح طَلِبَتِي (٢)، وما جرى هذا المجرى، فيُضِيفُه إلى نفسه، وإن كانت الحاجة حاجة غيره.

وأما ما قالوه من أن السؤال سؤال موسى، لأنه تاب من ذلك، والتوبة لا تصح إلاَّ من فعل نفسه، فلا تصح أيضاً، لأن توبته هو، لأنه سأل الله تعالى بحضرة القوم بغير إذنٍ، ولا يجوز من (٣) الأنبياء أن يسألوا الله تعالى بحضرة الأمة من غير إذنٍ سمعيّ، لأنه لا يمتنع أن يكون الصلاح في أن لا يُجابوا، فيكون ذلك تنفيراً عن قبول قوله.

وأما الصاعقة، فلم يكن ذلك عقوبةً، وإنما كان امتحاناً وابتلاءً، كما امتحن الله غيره من الأنبياء، وهده الآية حجة لنا عليهم من وجهين:

أحدهما هو أنه تعالى قال مُجيباً لسؤاله: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي}، و" لن " موضوعةٌ للتأبيد، فقد نفي أن يكون مرئياً ألبتة، وهذا يدل على استحالة الرؤية عليه.


(١) في " شرح الأصول ": سؤال الرؤية.
(٢) في (د): طلبي.
(٣) في (د): على.

<<  <  ج: ص:  >  >>