للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون خبراً من أخبار الآحاد، وخبر الواحد لا يقتضي العلم، ومسألتنا طريقها القطع والثبات، وإذا صحت هذه الجملة، بطل ما يتعلقون به.

ثم إن هذا الخبر مُعَارَضٌ بأخبارٍ رُوِيَت، منها ما روى أبو قِلابة، عن أبي ذرِّ قال: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل رأيت ربك؟ فقال: " نورٌ هو؟ أنَّى أراه " (١)، أي: أنورٌ هو؟ كيف أراه، فحذف همزة الاستفهام جرياً على طريقتهم في الاختصار، وعلى هذا قول الشاعر:

فوالله ما أدري وإن كنتُ دارِياً ... بسبعٍ رَمَيْنَ الجمر أمْ بِثَمانِ (٢)

وعن جابر بن عبد الله، عن رسول الله أنه قال: " لن يرى الله أحدٌ، لا في الدنيا ولا في الآخرة " (٣).

وقد قيل لعليٍّ عليه السلام: هل رأيت ربك؟ فقال: ما كنت لأعبدَ شيئاً لم أره، فقيل: كيف رأيت؟ فقال: لم تره الأبصار بمشاهدة العيان، لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، موصوفٌ بالآيات، معروفٌ بالدلالات هو الله الذي لا إله إلاَّ هو الحي القيوم.

ثم نتأوله على وجهٍ يُوافقُ دلالة العقل، فنقول: المرادُ به: سترون ربكم يوم القيامة، أي: ستعلمون ربكم يوم القيامة كما تعلمون القمر ليلة البدر، وعلى هذا قال: " لا تضامون في رؤيته ": أي: لا تشكون فعقَّبه بالشكِّ. ولو كان


(١) أخرجه مسلم (١٧٨)، وأحمد ٥/ ١٥٧ و١٧١ و١٧٥، والترمذي (٣٢٨٢) وابن منده في " الإيمان " (٧٧٠) و (٧٧١)، والطيالسي (٤٧٤).
وأخرجه ابن منده (٧٧٢) و (٧٧٣) بلفظ: رأيت نوراً.
(٢) البيت من قصيدة لعمرو بن أبي ربيعة قالها في عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وهو في " ديوانه " ص ٢٦٤، وأنشده سيبويه في " الكتاب " ٣/ ١٧٥، والعيني في " شرح الشواهد " ٤/ ١٤٢، والبغدادي في " خزانة الأدب " ١١/ ١٢٢.
(٣) لا يصح هذا عن جابر، ولم نجده في شيء من كتب السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>