للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعمت المعتزلة أن الأصلح لأهل النار من هذا كُلِّه خلقُ دواعٍ إلى القبائح بعلم الله تعالى علماً لا يقع خلافه ألبتة أنه (١) سبحانه متى (٢) خلقها لهم وقعت القبائح دون الطاعات، واستحقَّ فاعلوها العقاب الشديد الدائم والذم وأعظم المضار، ووفعوا في ذلك، وخُلِّدُوا فيه أبداً، وأن الله تعالى إنما فعل دواعي الشر هذه مع علمه الغيب بما يكون من عاقبة أهلها في العذاب الدائم إرادةً منه سبحانه لدخول أهل النار الجنة، وقصداً لما هو الأصلحُ في آخرتهم.

بل قالت المعتزلة: إن الله تعالى قادرٌ على أن يبني الكفار والشياطين مثل بنية الملائكة والأنبياء، ولو فعل ذلك لآمنوا (٣) كما يأتي، ويأتي (٤) الدليل على صحته. ومع هذا قطعوا أن الله أراد بخلقهم على بِنيةٍ علم أن من خُلِقَ عليها يختارُ الكفر، ولا يقبل اللُّطف ألبتة أن يُؤمنوا ويَسْعَدُوا في الآخرة، ويكون ثوابهم في أعظم المراتب، أو لتعرضهم إلى ذلك بالتمكين (٥) كما سيأتي أنه يؤول إلى معنى واحدٍ.

فيا عجباه إن أحكم الحاكمين، وأقدر القادرين أراد عندهم الإحسان إلى أهل النار بالجنة، أو ما يُصَيِّرُهم إليها على أتم الوجوه، فلم يَقْدِرْ على ذلك عندهم، ولا وَسِعَتْ قدرتُه وألطافُه أن تبلُغَ ذلك.

ثم يا عجباه أحين عُلِمَ أن ذلك لا يدخُلُ تحت مقدوره عند المعتزلة مع أنه غاية مقصوده الذي خلق العوالم كلَّها له، كيف لم يعدل عن تحصيله على أتم الوجوه إلى تحصيله على أنقص من الأتَمِّ، فيدخلهم الجنة على أحد صور.

إما بأن يخلقُهَم على بِنْيَةٍ مثل بنية المعصومين على قول من يقول منهم: إن الله قادر على ذلك، بل هو قولهم الجميع كما سيأتي.


(١) ساقطة من (ش).
(٢) في (ش): حين.
(٣) في (ش): لاستووا.
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) ساقطة من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>