للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الواجب (١) حملُه على ما صرَّح القرآن به من إقامة الحجة كقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، وقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل} [النساء: ١٦٥] فتأمَّل ذلك.

وأيضاً فقد سَمَّى الله الرسل مُبَشِّرين ومنذرين، بل قَصَرَهُم على ذلك، ولم يُسَمِّهِم مُعَرِّضين، وذكر الابتلاء والإنذار والعُذْرَ، وعلَّل بها ولم يذكر التعريض ولا علَّل به، وهكذا المبتدعة يتركون المنصوص ويأتون بما يخالف العقل والسمع.

ويعضُدُ ذلك من السمع مثل قوله تعالى: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} [يس: ١٠ - ١١] الآية، وقوله: {وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُون} [يونس: ١٠١] وما في هذا المعنى، وهو كثير، وهو واضحٌ في أن المراد إقامة الحجة عليهم لا وقوع المطلوب منهم، المعلوم أنه لا يَقَعُ.

ويُشبه ذلك منعهم من الإضلال، تأويلُه بالخِذْلان ولا فرق في المعنى.

وقد أخطأتِ المعتزلة في هذه المسألة وأمثالها في وجهين:

الأول: القطع بتقبيح ظواهر القرآن والسنة من غير موجِبٍ، وترجيحُ ما لا يَحْتَمِلُ التأويل على ما يحتملُه.

بيانه أنه دار الأمر بين عدم قدرة الرب -سبحانه وتعالى عن ذلك- على هداية العُصاة، وبين إضلالهم، لكن أهل السنة رَأوْا قُبْحَ الإضلال يحتمل التأويل لخفاء وجه الحكمة، وكونه مُحتملاً عقلاً كما خَفِي على موسى تأويل الخَضِرِ، وهذا مجال مُتَّسِعٌ لأربابِ (٢) النظر، كيف لعلام الغيوب الذي تَقِلُّ البحار أن تكون مِداداً لكلماته؟!


(١) " بل الواجب " ساقطة من (ش).
(٢) في (ش): لأهل.

<<  <  ج: ص:  >  >>